سعاد الجزائري
كتب لي أحد الأصدقاء مرة يقول إنه عندما يتسلل إلى صفحتي ويقرأ بعض نصوصي، يتخيلني ببدلة (سواريه) سوداء، أتنقل بهدوء وإناقة بين سطوري وكلماتي. لكن الحقيقة مختلفة تماما، لأنه تخيلني وقرأني كما يريد هو وليس كما تعنيه، وما تحمله نصوصي من مرارة خلال اللحظات التي كتبت بها الكثير من موادي بنفسٍ مكتوم وروح تُجرح ببطء بآلة حادة وبصوت مبحوح ومخنوق ببكائه.
الكثير يقرأ النص ويفسره أو يفهمه وفق رؤيته ورغبته وعلاقته ب(صاحب - صاحبة) النص، ولا يخلو الأمر بالتأكيد من أهمية النص أو العمل ومستواه، وفق رؤية الغالبية العظمى من الكتّاب، لكني هنا معنية بالقراءة التي ترتبط بـ(صاحبة) النص وصورتها، أن أستثنيت أهمية المكتوب، فإن الكثير، وتحديدا على وسائل التواصل الاجتماعي، يقرأ المتصفح المادة متأثرا وبانحياز لجنس الكاتب وصورته، لأن أيَّ نص يُكتب مع صورة جميلة، سيُطرز بردود أفعال وعبارات تتلاءم مع تقاطيع الوجه، وبعضهم يعلق حتى قبل قراءة النص، لأنه معني بقراءة الوجه وملامحه، ولا يعنيه كثيرا المضمون أو الوجع الذي يكمن خلف الكلمات.
فلو نُشرت المادة نفسها بدون صورة، سيهبط رقم التجاوب والتعليقات إلى ما دون النصف، لأن الأهمية بالصورة، وليس المضمون.
بالطبع مُستثنى من هذا الرأي الذين يقيّمون النصوص ومضامينها كجهد إبداعي، مع معرفة ودراية تامة بمستوى هذه أو ذاك، وهذا الرأي مدروس ودقيق، حتى قبل وجود النافذة السماوية للفيسبوك وأخواتها من النوافذ الاخرى، ككان وأن واخواتهما.
إن التجاوب (العاطفي) وليس الفكري بين المتلقي والناشر، وبمرافقة العاصفة الكتابية والتأليفية، أقنعت الكثيرين والكثيرات أنهم باتوا كتابا، بمصاف ألمع الأسماء، وزادت قوة اندفاعهم عندما صدرت لهم كتب تحمل بين دفتي غلافها تفاهات، وفي جيوب ناشريها أكداس الدولارات، ولولا الفيسبوك لما نشرته حتى صحف الدرجة العاشرة.
حرية الرأي وفتح بوابات وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عنها، خلطت الكثير من المعايير والقيم، لأن فهم الحرية لا يشبه ممارستها، التي إن تمت بدون وعي اصبحت مثل ثيران المصارعة تنطح وتجرح وربما تقتل.
شخصيا أحب أن أتعرف على حياة وتاريخ ووجه الكاتب أو الكاتبة، فإعجابي بأعمال إليف شفق قادني إلى متابعتها والبحث عن تاريخها الشخصي، وأسعدني أنها جميلة الشخصية والشكل كروعة أعمالها، ولم يجرني شكلها إلى أعمالها.
والعكس يحصل ايضا، فأنا أقرأ نصوصا غاية في الرقي والروعة، ولأني أعرف كتابها، أجدهم سلوكيا لا يشبهون نصوصهم، بل هم اجتماعيا النقيض الحاد لمضمون كتاباتهم وأفكارهم، وعندما أقرأ هكذا نصًا أشعر بالانفصام الحاد بين الكاتب
والمكتوب.
اما الصورة واهميتها اعلاميا، والتي تحمل موضوعا أو حدثا فلها أهميتها بالتأكيد، لأنها تكمّل النص ويكتمل بها، والكتابة للصورة أو عن الصورة تختلف حسب دورها في المادة المقصودة، وهنا وظيفتها تختلف تماما عن الصورة، التي تروج دعائيا لموضوع نسميه بالعراقي (نص ردان)، لان هذا النص مع الصورة أو بدونها غير قابل للصرف.