عشرون سنة من {الصباح}

العراق 2023/05/17
...

أحمد عبد الحسين

ولدتْ "الصباح" يوم ولادة العراق الجديد. فلم يكد يسقط صنم الديكتاتور حتى خرجتْ شمس صباح ذلك اليوم مؤذنة ببدء مرحلة جديدة انتهتْ فيها وإلى الأبد حقبة ظلامية مؤداها تكميم الأفواه وإعلاء الصوت الواحد وتصفية واستبعاد كلّ نقد واعتراض.

كانت "الصباح" إعلاناً عن طيّ صفحةٍ مؤلمة تنكّرتْ فيها الصحافةُ لأهدافها ومهنيتها على عهد الديكتاتور، والشروع بعهد آخر مختلف في عراق كان أبرز مقتنياته الجديدة هو حرية أن تقول رأيك من دون أنْ تتلفت.

نتذكر تلك الأيام بألمٍ، لكنْ بفخر كبير كذلك، كيف أنّ الذين ساءهم خروج العراق من سجنه، ساءهم أكثر أن تكون له صحافة تليق به، ونستذكر زملاءنا الذين استشهدوا وهم يؤدّون عملهم بشرفٍ لا يعرفه القتلة، وأتذكر المشهد الذي لن يفارقنا أبداً حين فجّر الظلاميون شاحنة ملغمة في مبنى الجريدة وصارت مكاتبنا ركاماً واختلطت الأوراق والصحف بدم زملائنا، آثرنا نحن الذين بقينا أحياء ذلك اليوم أن لا نستسلم، وجلسنا على الأرض في غرفنا التي أصبحت أطلالاً نتهيأ لعدد الغد الذي أصدرناه تحدياً لقوى الخراب.

لنعترفْ: لم يصبح العراق فردوساً ولم يكن ما حدث مساوياً لطموح أبنائه وفعلت التجاذبات السياسية فعلها السامّ في آمال العراقيين، وفاز الفساد بجولات كثيرة على حساب المخلصين ممن لا ناصر لهم، لكنّ حرية التعبير ظلتْ هي المقتنى الأبرز في هذا البلد الذي طالتْ محنته مع من لا يحبّونه ومَنْ يؤثرون عليه سواه.

"الصباح" كانت وستظل صوت الدولة العراقية والمعبّر عن أولئك الذين يريدون أن تكون هذه الدولة سيّدة حرّة في وجه من يريد تقزيمها لحسابه الخاص أو لحساب آخرين.

كل سنة، عراقنا وصباحنا بخير.