جوازات دبلوماسيَّة بالمجان

آراء 2023/05/20
...

 د. صادق كاظم 

وحده العراق من بين دول العالم من يمنح اكثر من 5000 جواز سفر من النوع الدبلوماسي في سنة واحدة، والمشكلة أن الأشخاص الحاصلين على هذه الجوازات ليست لهم اي علاقة بالسلك الدبلوماسي أو من يمكن اعتبارهم من كبار موظفي الدولة، بل مجرد أشخاص عاديين.

تم منحهم هذا الجواز الخطير لأسباب شخصية وعلاقات ودوائر نفوذ في ظاهرة غير مسبوقة وخطيرة، تتم فيها الاستهانة بالقوانين والتعليمات الصارمة والضوابط، التي تحدد ماهية الجهات التي تستحق هذا الجواز فعلا من عدمه.

في جميع الدول يتم منح الجواز الدبلوماسي فقط إلى رؤساء الجمهوريات ورؤساء الوزراء والوزراء وموظفي وزارات الخارجية، وأصحاب الدرجات الخاصة، بهدف تسهيل مهامهم خارج البلاد وفق الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات المعمول بها على مستوى العالم. 

بينما في العراق يمنح هذا الجواز لأسر المسؤولين واعضاء مجلس النواب بضمنهم الاطفال الصغار، بل إن قائمة المنح اتسعت لتشمل بدورها الفنانات (الموديلز) والمشهورات على تطبيقات الانستكرام والتك توك، رغم انهن لا يحملن اية صفة حكومية ودبلوماسية رفيعة تجعلهن يستحقن منحهن مثل هذا الجواز اساسا، اضافة إلى إنه يشكل أساسا إساءة لسمعة العراق، باعتبار أن ارتفاع عدد حاملي هذا الجواز سيقلل من احترام الدول الاجنبية والعربية له، وقد وصلت في العديد من المواقف إلى اللامبالاة به. 

ان لهذا الجواز مزايا كبيرة يتمتع بها حامله بضمنها الحصول على الحصانة الدبلوماسية، فيمنع الاعتقال، ويمنح الحق بمواعيد دبلوماسية ولقاءات مسؤولي الدول الأخرى وكبار موظفيها الرسميين، إضافة إلى دخول صالة كبار الزوار داخل المطارات، والتمييز في المعاملة أثناء دخوله المطار أو الدول، فضلا عن قيام شركات الطيران والفنادق بتوفير وتقديم معاملة متميزة لأصحاب هذه الجوازات، ويبدو أن المميزات قد شجعت على اختراق القانون ومنحه لهذا العدد الكبير من

الاشخاص.

وبالرغم من الاهمية الكبيرة لهذا النوع من الجوازات واقتصار منحه قانونا إلى موظفين خاصين في الدولة، إلا أنه تم انتهاك هذه التعليمات وتجاوزها من خلال المنح المجاني والخطير لهذا النوع من الجوازات، والذي خضعت عملية منحه لاختراقات وتدخلات حزبية وسياسية، كما يبدو جعلت الدولة العراقية تصل إلى هذا الرقم المرتفع من الجوازات والذي يقدر بحوالي 46 الف جواز دبلوماسي حتى الآن، بينما تشير الاحصائيات العالمية إلى أن عدد الجوازات الدبلوماسية في مختلف دول العالم يصل إلى 30 الف جواز فقط، وهو ما يعني أن عدد الجوازات الدبلوماسية في العراق يفوق المعدل العالمي بمقدار مرة ونصف.

بالتاكيد أن عملية منح هذه الجوازات إلى الاشخاص غير المستحقين لها فيه اساءة كبيرة إلى الدبلوماسية العراقية العريقة التي كانت موضع احترام جميع الدول في العالم والتي قدمت إلى العالم شخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى، كانت تثير الاعجاب والاحترام والتقدير والتجاوز على هذ الجواز فيه تفريط بعذه السمعة والمكانة.

قيل إن هناك لجنة تحقيقية قد شكلت لتدقيق هذه الجوازات الممنوحة برئاسة إحدى السفيرات العراقيات ، لكني اتساءل هل تم السماح لهذه اللجنة بالعمل وهل استجابت الجهات الحكومية لتوصياتها وسحبت الجوازات من الاشخاص غير المستحقين أو المشمولين بها، لكننا ولغاية الآن لم نسمع بأي شيء عن ذلك، بل بالعكس من المحتمل ان اغلق الملف كغيره من الملفات الخطيرة التي اختفت وذابت في دهاليز وأروقة الصفقات والمجاملات الخطيرة، التي لم تعبأ بمصير البلاد وشعبها.

روى لي احد الاصدقاء اثناء سفرته إلى إحدى دول الجوار بأن أحد الاشخاص حاول تجاوز الطابور الخاص بتدقيق الجوازات من قبل سلطة مطار تلك الدولة، شاهرا جوازه الدبلوماسي، لكن موظف المطار تمعن في شخصيته وسأله بلباقة هل انت دبلوماسي أو مسؤول رفيع في الدولة العراقية أو أن لديك اي صفة حكومية رفيعة، فنفى المواطن العراقي ذلك فما كان من موظف الاستقبال في المطار، إلا أن أشار إليه أن يعود إلى نهاية الطابور في اخر الصف مع نظرة ساخرة منه.