بشير خزعل
تناقضات السوق العراقي لم تستقر على حال حتى مع انخفاض سعر صرف الدولار، فمع كثرة القوانين والتعليمات التي تقرها الوزارات المعنية بشأن قوت المواطن ما زالت أسعار المواد الغذائية الأساسية مرتفعة ولم ترجع إلى سابق عهدها كما كانت، ومع قلة الانتاج المحلي في الغلة الزراعية، التي تعاني من مشكلات كثيرة اهمها شح المياه، يفتح الاستيراد بابا إلى الوفرة الغذائية في الأسواق على حساب المنتج المحلي، فيعاني الفلاحون وأصحاب الأراضي والمصانع بسبب منافسة المستورد، ما يهم القطاع الخاص هو أن تنظم الدولة موضوع الاستيراد، بشكل يجعل السوق مستقرة بشكل تام، وتمنح المصانع الوطنية فرصة لمراجعة حساباتها في اعادة وتطوير نفسها، بما يمكنها أن تكون مصانع حقيقة، وبلغة أرقام لطاقات إنتاجية، توازي قدرتها الفعلية وليس الشكلية، التي توهم الناس بأنها مصانع حقيقة، سبب اخفاق الانتاج الوطني، هو حيرة المصانع في اعادة بناء نفسها بما يتلاءم والتطور العلمي والتكنولوجي الحديث، فلا المستثمرون يجدون فيها فرصا واعدة بسبب التعقيدات البيرواقراطية التي تواجههم، ولا الدولة تبنت اعادة بناء تلك المصانع وتشغيلها، اما الزراعة لدينا فما زالت تنتظر الأمطار، إن هطلت بمستوى جيد، تتم زيادة مساحات الاراضي المزروعة، وإن قلت تنحسر المساحات، وهو إجراء في حد ذاته غير علمي، في ظل وجود مياه تهدر وتلوث في نهري دجلة والفرات بشكل يفوق الخيال، فتغيير المناخ ليس في العراق فقط، بل في اغلب دول العالم، لكن اغلب تلك الدول وضعت خططا بديلة للاستمرار في ادامة عجلة انتاجها الوطني، ولم تتوقف امام مشكلة نقص المياه، فليس جميع الدول بها انهار، لكن سبب نجاحها انها تمتلك ادارة ناجحة في ادارة استثمار المياه، وتبتكر اساليب رائعة لاستثمار المياه وحصادها، واستغلال المدور منها في حين يفتقدها العراق بشكل كبير، ومع أن أزمة الدولار على وشك نهايتها، مع ذلك ما زالت الاسعار مرتفعة بسبب غياب واضح للمنتج المحلي، الذي أصبح اغلى من المستورد بضعفين، فتكاليف الانتاج المحلي الباهظة لا تعود بفوائد مادية مربحة على المصنع، لغياب البنى التحتية، التي تشكل نسبة كبيرة من تكاليف الانتاج في الزراعة والصناعة، اعادة تنظيم ادارة ناجحة على مستوى عالٍ من التخطيط والتنفيذ لمجمل الوضع الصناعي والانتاجي، في الدولة العراقية بحاجة إلى وقفة حقيقة لرسم سياسية اقتصادية واضحة المعالم، بعيدا عن الاجتهادات الشخصية، التي اثبتت فشلها طوال عشرين عاما مضت.