المشاريع المتلكئة.. ملياراتٌ مهدورةٌ وخدماتٌ معدومة

ريبورتاج 2023/05/22
...

  دانية حيدر سلمان 

في زحمة الطريق الذي نسلكه يومياً، ثمة هيكل لمبنى شاهق يستدرج أنظار المارة، المشهد لم يتغير، فالمبنى الذي بدأ العمل به في العام 2013، لم يشهد أي تطور في نسب الإنجاز طيلة السنوات الماضية. مستشفى الشعب، واحد من 13 مستشفى متلكئاً في بغداد، وأكثر من 1400 مشروع متلكئ في عموم العراق، بعضها يعود الى أكثر من عشرة أعوام، ولم يبصر النور.

غياب التخطيط

يرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، بأن أبرز أسباب تلكؤ المشاريع، يرجع الى غياب التخطيط، وسوء الإدارة، إضافة الى الفساد في إحالة المشاريع.

ويوضح أن سوء التخطيط، يتمثل بإحالة آلاف المشاريع في سنة مالية واحدة، دون الاكتراث بإمكانية إدامة واستمرار التنفيذ في السنوات اللاحقة، والتي كانت السبب في توقف الكثير من المشاريع بسبب تراجع الإيرادات، وانخفاض قيمة الموازنات المالية.

وأكد حنتوش أن المشاريع الاستثمارية هي الأكثر تأثراً بانخفاض الإيرادات المالية، وهو ما تجلى في أزمة داعش، وعمليات التحرير والتي تزامنت مع الأزمة المالية العالمية، وكذلك أزمة كورونا، التي تسببت بتعطل أكثر من 90 بالمئة من المشاريع.

ويشير إلى أن توقف هذه المشاريع كبدّ ميزانية الدولة خسائر كبيرة تقدر بمليارات الدولارات، إضافة الى ما تسبب به من تراجع في الخدمات.

وبشأن معالجة هذه الظاهرة، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أهمية مراعاة الأولوية في إحالة المشاريع وتنفيذها، واستحداث صندوق للتنمية يتم الاستعانة به بتمويل المشاريع في حال تراجع الإيرادات، وتوزيعها على مدة الإنجاز، بما يضمن ديمومة العمل، وعدم تلكؤ التنفيذ.


الفساد في الإحالة

الناشط في مجال مكافحة الفساد، سعيد ياسين، يشير إلى عدة نقاط ومؤشرات في إحالة المشاريع الاستثمارية والاجازات الممنوحة لإقامة هذه المشاريع، مشددا على أهمية اتباع الآليات الصحيحة في تأهيل الشركات من حيث الكفاءة والقدرة المالية والخبرة في تنفيذ مشاريع مشابهة سابقا، وتسجيل الشركات والتنافس بين الشركات في إرسال عقود المشاريع. ويوضح أن آليات الإحالة وإرساء العقود تكون في الغالب تحت تأثير النفوذ السياسي، وتدخل الهيئات الاقتصادية للأحزاب. ويشير ألى أن الكثير من المواد الانشائية المستوردة لصالح الشركات المستثمرة، يتم تسريبها إلى الأسواق المحلية، وبيعها بأسعار تنافسية، مستفيدة من الإعفاءات الجمركية، التي تمنحها القوانين للمستثمرين، والتي تتسبب بالنتيجة في إيقاف تنفيذ المشاريع. معالجة تلكؤ المشاريع، وفقا للناشط سعيد ياسين، تتمثل بسحب الموازنة الاستثمارية العامة من الوزارات والمحافظات، ووضعها تحت تصرف وصلاحية هيئة عليا للإعمار ترتبط برئاسة الوزراء، تتولى وضع الخطط والإحاطة والاشراف والاستلام وصرف الأموال للشركات، وفق المدد الزمنية المحددة، وبحسب تخصص كل شركة، مثل مشاريع بناء المدارس والمصانع الحكومية، والمشاريع الهندسية والإنشائية وغيرها.


القانون لا يحمي الدولة

المشاريع التي تحيلها وزارات الدولة على الشركات والمقاولين، تنظم بعقود تحكمها القوانين المدنية وليست الجزائية، وفقا للخبير القانوني طارق المعموري.

ويوضح الخبير القانوني أنه في حال تلكؤ المشاريع من حق الجهة المتعاقدة في الدولة، اقامة دعوى على الشركات والمقاولين، تطلب فيها فسخ العقد والتعويض، استناداً لأحكام المادة (177) من القانون المدني العراقي.

ويؤكد أن الأحكام التي قد تصدر في مثل هذه الدعاوى، هي مصادرة كفالة حسن الأداء التي تبلغ 5 بالمئة فقط من قيمة العقد، دون أن تكون هناك عقوبات بمفهومها الجزائي كالحبس والسجن، كون التلكؤ يصنف في القانون ضمن التقصير المدني ولا يعد جريمة.


إحصائيات وحلول

تشير احصائيات وزارة التخطيط إلى وجود 1452 مشروعاً متلكئاً في عموم مناطق البلاد.

ويوضح المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، أن المشاريع تتوزع بين قطاعات أساسية هي: النقل والاتصالات وقطاع المباني والخدمات وقطاع الزراعة والصناعة، إضافة برنامج تنمية الأقاليم.

وبحسب الهنداوي، فإن هذه المشاريع صنفتها الوزارة بحسب نسب الإنجاز، بحيث يكون الصنف الاول للمشاريع، التي تبلغ نسبة انجازها ١٠ بالمئة فما دون، والصنف الثاني من (10 – 50) بالمئة، والثالث من 50 بالمئة صعودا.

ويؤكد المتحدث أن الانفاق التراكمي على مجمل هذه المشاريع تجاوزت العشرة ترليونات دينار، تضاف لها الخسائر الناجمة على حالة الاضرار والاندثار، التي أصابت هذه المشاريع بسبب توقفها لسنوات.

وبشأن دور وزارة التخطيط في معالجة هذه المشاريع، يقول الهنداوي إن الوزارة تعمل منذ فترة ليست بالقصيرة على إيجاد الحلول لمعالجة المشكلات، التي تسببت بتوقف وتلكؤ هذه المشاريع، بالتباحث والتواصل مع الجهات المستفيدة من الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، والمحافظات، وتم استدعاء هذه الجهات واستعراض كل مشروع من هذه المشاريع، من حيث نسبة الانفاق والانجاز، واسباب التوقف وإمكانية استئناف العمل.

وأفصح المتحدث عن أنه تم تشكيل عدد من اللجان، إحداها برئاسة وزير التخطيط، لمعالجة مشكلة المستشفيات المتلكئة، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 60 مستشفى متلكئاً بمختلف السعات السريرية، وأن اللجنة المذكورة تمكنت من معالجة مشكلة هذه المستشفيات، بعد وضع الحلول لاستنئاف إنجاز العمل في هذه المشاريع.

كما أن هناك عملاً دؤوباً لمعالجة باقي المشاريع المتلكئة، منها مشاريع المياه والصرف الصحي، وبناء المدارس، والكهرباء، والطرق، إضافة إلى مشاريع الإسكان، وتعمل اللجنة حالياً على ايجاد الحلول والمعالجات لاستكمال هذه المشاريع.

واختتم الهنداوي حديثه بالتأكيد على أن معالجة المشاريع المتلكئة تحظى بالأولوية، ضمن البرنامج الحكومي وتوجيهات رئيس مجلس الوزراء، موضحا أن المبالغ اللازمة لاستكمال هذه المشاريع تقدر بـ24 ترليون دينار، مع وجود توجه لإلغاء بعض المشاريع، التي لا تتجاوز نسبة انجازها الـ10 بالمئة، واحالة مشاريع أخرى للاستثمار، والشراكة مع القطاع الخاص من أجل تقليل كلفها المالية.