قمة جدة العربيَّة.. ماذا لو حضرت إيران وتركيا؟

آراء 2023/05/22
...






 محمد صالح صدقيان 


تأملت الشعوب العربية أن تری «قمة جدة» العربية علی غير ما كانت تراه منذ تأسيس الجامعة العربية لليوم لأسباب تتعلق بظروف انعقاد هذه القمة ولمكان انعقادها.


فالقمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية؛ عقدت في ظروف استثنائية بامتياز. 

إنها جاءت بعد ظروف «جائحة كورونا»، وتداعيات هذه الجائحة علی الأوضاع الاقتصادية الدولية؛ كما أنها جاءت أيضا بعد ظروف الحرب الأوكرانية التي أولدت معادلات إقليمية ودولية جديدة. 

وثالث الأسباب إنها حاولت إجراء مصالحات عربية إقليمية ودولية. 

فهي «قمة المصالحات العربية» و»قمة العلاقات الاقليمية والدولية».

شخصيتان جدليتان حضرت القمة؛ وأخرتين لا تقل جدلية غابت عن أروقة القمة. 

أولی الشخصيتين اللتين حضرت القمة هي الرئيس السوري بشار الاسد، التي عملت المملكة كما يری جورجيو كافيرو الرئيس التنفيذي لمؤسسة «جلف ستيت انالاتيكس» لدفع الدول الاعضاء بالجامعة العربية لإعادة سوريا للجامعة العربية، بعدما قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا في نوفمبر 2011 بسبب الاحداث التي شهدتها منذ العام 2010.

ثاني هذه الشخصيات الرئيس الاوكراني ولوديمير زلنسكي، الذي حضر بناءً علی دعوة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان «ضيف شرف»، وهو في طريقه لليابان للمشاركة في قمة السبع الصناعية.

دعوة الرئيس السوري كانت طبيعية ومتوقعة، استنادا للتحضيرات التي جرت خلال الشهرين الماضيين وتطبيع العلاقات بين دمشق وعدد من العواصم العربية، وبالتالي فإن سوريا عادت إلی مكانها الطبيعي التي كان من المفترض أن لا تخرج منه. 

اما مشاركة زلنسكي فهي الحدث الابرز الذي فاجأ الجميع.  ما الذي يمكن أن تفعله القمة للمشكلة الاوكرانية؟

وهل يستطيع الرجل أن يكسب منجزا معينا من «قمة جدة»، المثقلة بمشكلاتها واهتماماتها؟ عديد المراقبين يشككون بذلك اللهم، إلا أنه يريد كسب ود المجتمع الدولي ويرسل رسالة الی هذا المجتمع، يقول فيها إنه ما زال حيا يرزق وهي رسالة رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع!.

اما الشخصيتان التي لا تقل جدلية الغائبتين عن المؤتمر فهما الرئيسان الايراني ابراهيم رئيسي والتركي رجب طيب اردغان. 

ربما يكون الاخير منشغلا بالانتخابات التركية ولا يمكن توجيه الدعوة اليه للمشاركة في القمة العربية كــ «ضيف شرف»، الا أني كنت أتمنی توجيه الدعوة للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لحضور القمة، ليس لأن العلاقات السعودية الايرانية تسير باتجاه التقدم والتطبي، لكن لحساسية العلاقات العربية الايرانية بشكل عام وحساسية العلاقة الإيرانية الخليجية بشكل خاص.  مشاركة الرئيس الايراني كان لها بالغ الاثر «إن حصلت» من أجل سماعه؛ ماذا يمكن لايران تقديمه للدول العربية؟

وكيف يمكن للأمن الإقليمي، إن يكون في ظل تعريف طهران لهذا الامن؟ وكيف يمكن أن تتعامل طهران مع أصدقائها في المنطقة والتي تعتبرها الدول العربية وتحديدا الخليجية «مجالها الحيوي؟».

في المقابل يستطيع الرئيس الايراني أن يلمس بشكل مباشر علی ما تشعر به الدول العربية من «قلق» من السلوك الايراني في الاقليم. 

انا لا اعتقد ان المشاركة الايرانية في هذه القمة كانت ستحل جميع المشكلات والعوائق، التي تعترض العلاقة العربية الايرانية والتي أری فيها بأنها طبيعية جدا؛ لكنها بالتاكيد كانت تساهم بخلق ارضية يستطيع فيها الجانبان من التفاهم علی المشتركات، التي تستطيع ان تكون قاعدة للتعاون والتنسيق وتعزيز الثقة المطلوبة. 

اختلف مع من يقول ما الذي جنته دول مجلس التعاون الخليجي عندما استضافت الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في قمة الدوحة عام 2007؟

انا أومن أن طريق الميل يبدأ بخطوة واحدة. 

وأن عملية تعزيز الثقة تحتاج الی خطوات داعمة وزيارات متبادلة وتعاون مثمر وتنسيق مستدام، من أجل خلق إطار للتفاهم والعيش المشترك، بما يحقق المصالح لجميع الأطراف.

التحديات والمشكلات التي تواجه العالم العربي ليست قليلة ولا بسيطة، وهي جدية وخطيرة ومعوقة للتنمية والتقدم والازدهار؛ والشعوب العربية تأمل أن تسهم الدول العربية بحل هذه التحديات. 

فالسوريون يأملون أن تنجح القمة بتفكيك «قانون قيصر»، من أجل المساهمة في إعادة بلادهم ومساعدتهم ووقوف الدول العربية معهم، لتجاوز أزماتهم الاقتصادية والتنموية والأمنية والسياسية. 

واللبنانيون ينتظرون من الدول العربية المساهمة في تقريب وجهات النظر في انتخاب رئيسهم المنشود، الذي ما زال مقعده شاغرا في القصر الرئاسي، وحل مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية. 

بينما السودانيون يتطلعون لقادة وزعماء الدول العربية الوقوف أمام تدهور الأوضاع وإيقاف عجلة الموت المرشحة لحرب أهلية، بعدما تسابقت الدول بإجلاء رعاياها خوفا من المجهول. 

اما الليبيون فإنهم ما زالوا في مناكفاتهم السياسية والعسكرية والأمنية في مشهدية تراجيدية، يصعب علی الجميع تصور نهاياتها، ويرجون من المجتمع العربي والقمة العربية أن تلعب دورا إيجابيا مؤثرا، لإنهاء المأساة والعودة لدولة موحدة وجيش موحد وشعب ليبي واحد. 

يبقی اليمن الذي ينتظر أن يكون سعيدا، بعيدا عن القتل والدمار والجوع والمرض؛ في حين يتمنی العراقيون دعم الدول العربية لعمليتهم السياسية، التي تسير علی رجل واحدة كالبطة العرجاء!. 

وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن للقمة العربية حل كل هذه المشكلات، التي اضيفت لها المشكلة الأوكرانية؟!.

ربما أن القادة والزعماء العرب الذين اجتمعوا في جدة يعرفون أكثر من غيرهم الآلية، التي تستطيع مساعدة الشعوب العربية؛ ودعم العلاقات في الإقليم وخارجه. 

لأننا كشعوب مغلوب علی أمرها نری ما فوق الطاولة؛ لكنهم يرون ما تحتها. 

وبين الحالتين فرق كبير.