السوداني في القمة العربية: العراق العائد والقائد

آراء 2023/05/22
...

 مازن الزيدي

 

رفعت القمة العربية في جدة شعار "المصالحة" و "لمّ الشمل"، بعد أكثر من عقد دموي عاشته الشعوب العربية منذ انطلاق ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي تحوّل إلى "خريف تكفيري" بامتياز؛ لم تسلم أغلب الدول العربية من ارتداداته المدمّرة.

لقد شهدت قمة جدة عودة دول الثقل العربي ممثلة بالعراق وسوريا إلى لعب دورهما وأخذ مكانتهما المستحقة في العمل العربي المشترك وتوجيه بوصلة الأولويات العربية انطلاقاً من مكانتهما الحضارية والجيوسياسية؛ بعيداً عن المشاريع المفروضة من أطراف خارجية.

عراقياً، عكست مشاركة دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني صورة العراق العائد لقيادة العمل العربي المشترك والتي عبّر عنها في كلمته أمام الزعماء والقادة العرب بكل ثقة وفصاحة ووضوح.

فخلافاً للدورات السابقة للقمم العربية، التي كانت محفلاً للطعن بالعملية السياسية والتدخل بالشأن الداخلي العراقي، كانت القمة العربية الأخيرة مختلفة تماماً؛ إذ شهدت ترحيباً بدور العراق في التقريب بين دول المنطقة، ودعماً لتحوله إلى محور عربي للتكامل الاقتصادي. بدورها تضمنت كلمة رئيس الوزراء استعراضاً لدور العراق في التسويات الإقليمية والعربية على حدّ سواء، كما تضمنت مبادرات ومقترحات لتجديد دماء جامعة الدول العربية بما يلائم التحديات المصيرية لشعوب ودول المنطقة. ابتدأ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بترحيب بـ"مقصود" لعودة سوريا الشقيقة إلى "مكانتها الطبيعية"، مشيرا إلى دعم حكومته لهذه العودة، لأن ذلك يعني "بداية طريق إعادة الاستقرار إلى المنطقة.

كما أشار السوداني إلى الدور الذي لعبته حكومته في دفع حوار الكواليس بين السعودية وإيران وتسريعه إلى مستويات تمثيل أعلى ممّا كانت عليه؛ الأمر الذي عجّل ببلورة اتفاق تاريخي بين البلدين تكلّل بتوقيع رعته الصين في منتصف أبريل/ نيسان الماضي. وكاد رئيس الوزراء أن يكون متفرداً، من بين الزعماء العرب المشاركين في قمة جدة، بالترحيب بهذا الاتفاق الذي شدّد على أنه يمثل "خدمة للاستقرار والازدهار في المنطقة".

أما القضية الفلسطينية فكانت في صدارة الموقف العراقي الذي عبّر عنه رئيس الوزراء خلال كلمته التي شدّد فيها على "موقف العراق الثابت والمبدئي إزاء الحق الفلسطيني في الأرض والسيادة وبإقامة دولة عاصمتها القدس الشريف" .

ولم تغب الأوضاع في السودان وليبيا واليمن عن كلمة رئيس الوزراء الذي شدّد على ضرورة إنهاء الاقتتال وإحلال السلام في هذه البلدان العربية. كما تضمنت الكلمة تجديد وقوف العراق إلى جانب لبنان لـ"تجاوز الظروف السياسية والاقتصادية" . أيضاً لم تقتصر كلمة العراق التي ألقاها رئيس الوزراء على استعراض الأزمات والتحديات التي تواجه الدول العربية وتدبيج الدعوات لحلّها أو معالجتها، إذ تجاوزت الكلمة هذه "الكلايش" إلى طرح مبادرة عراقية تتضمن دعوة الجامعة العربية لـ"تطوير منهاجها نحو بناء تكتل اقتصادي" من أجل تنمية الاقتصاديات العربية واستثمار مواردها على نحو أمثل. وفي السياق ذاته حاول رئيس الوزراء تذكير القادة العرب بضرورة طيّ صفحة الصراعات والأزمات، التي استهلكت مواردنا وثرواتنا طيلة العقود الأربعة الماضية بسبب مشاريع قادتها تدخلات خارجية وحوّلت المنطقة إلى بؤرة توتر وأزمات وحروب مزمنة، داعياً إلى ضرورة التحوّل إلى البناء على الحاجات الفعلية للمجتمعات العربية من خلال التركيز على التنمية والاقتصاد والشراكة العربية – العربية.

هذه المبادرة الفريدة من نوعها بالدعوة إلى انشاء تكتل عربي اقتصادي لم تشهدها أيٌّ من القمم السابقة؛ والتي لطالما كانت تتحول إلى حفلة لإذكاء الصراعات العربية – العربية، ثم لتنفضّ كعادتها بانسحابات وتراشق الشتائم والصحون بين المشاركين. اليوم يقف العراق العائد قائداً لرؤية عربية متقدّمة من خلال المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء السوداني، الذي دعا القادة العرب لتكون بغداد منطلقاً لهذا التكتل الاقتصادي العربي عبر مؤتمر #طريق_التنمية، الذي سيقام في الـ27 من آيار الجاري في بغداد، لربط الخليج بأوربا عبر ميناء الفاو – تركيا. لقد انعكس ثقل وثقة المشاركة العراقية في قمة جدة على البيان الختامي، الذي اختفت من بنوده الكلمات والمواقف التي لطالما أثارت حفيظة العراقيين وتم استبدالها، في البند 11 من البيان، بدعم القادة العرب "لسيادة العراق وأمنه واستقراره، ونمائه ورفاهه، ولجميع جهوده في مكافحة الإرهاب" . كما رحب القادة "بالدور الإيجابي الذي يقوم به العراق لتسهيل التواصل وبناء الثقة بين دول المنطقة" .

ختام المشاركة العراقية كان موقفاً اختصر ثقة العراق بمكانته ودوره التاريخي في المنطقة، عندما رفض رئيس الوزراء التقيّد بما تفرضه البروتكولات ووقف في المكان الذي يستحقه العراق، في رسالة عن الدور الريادي الذي يجب أن يفهمه ويتفّهمه العرب.

* كاتب وإعلامي عراقي