الجسور المعلقة.. مظهرٌ حضاريٌ لتطور البلدان

ريبورتاج 2023/05/23
...

 كولر غالب الداوودي

 تصوير: خضير العتابي

تعد الجسور المعلقة فناً هندسياً بتصميمها ومن أحد أهم المعالم التي تدل على العمران والتقدم، إضافة إلى أهميتها الخدمية والصيغة الجمالية للبلد، فالدول تتباهى بجسورها المعلقة التي تقبع فوق الماء لتساعد على المرور واجتياز المسافات وقطعها في أزمنة قصيرة.

ورغم أهميتها الكبرى في مجال النقل فإنها باتت تشكل معالم سياحية، يقصدها الناس من شتى أرجاء العالم لذلك بدأ الاهتمام بالطراز الهندسي لهذه الجسور التي تعلو المياه، ويتميز بعضها بهندسة معمارية نادرة وهي تبرز مدى التطور العصري للهندسة.

وسميت بالمعلقة، لأن جسم الجسر يعلق بواسطة كابلات والتي تحوي دعامات تعليق عمودية حاملة سطح الجسر، وتكون على هيئة القوس، إذ إن الأمثلة الحديثة لمثل هكذا جسور في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي وقد سميت بالجسور المعلقة البسيطة والتي كانت حينها تفتقر إلى دعامات التعليق العمودية، بينما قد تتميز هذه الجسور بسهولة تنفيذها، لكونها جسوراً ذات بحور رئيسية، فضلاً عن أنها تتطلب مواد أقل من المواد التي تبنى بها الجسور الأخرى، إضافة إلى إعطاء المساحة الكافية للممر المائي الذي يقبع تحتها ليساعد على مرور السفن بسهولة، ومن مميزاتها الأخرى أنها تكون أكثر مقاومة أمام الزلازل.


جسور العراق

يحتاج العراق إلى بناء الكثير من الجسور والمجسرات وخاصة جسور المشاة في ظل تزايد السكان المتسارع والاستعانة بالخبرات العراقية في هذا المجال هو الحل الأمثل لهذه المشاريع المهمة، ومن الأشخاص البارعين في هذا المجال الدكتور نذير عذاب الطائي (43 عاماً) وهو متخصص في صناعة الهياكل الملحومة للجسور المعلقة وأستاذ مساعد في كلية الهندسة، ويعمل حالياً في القطاع الخاص العراقي.

ودرس في أوكرانيا تصميم الجسور، وهو أستاذ مساعد في جامعة اكتوبا في كييف وقدم إلى العراق عام 218 وحصل على الدكتوراه بدرجة امتياز ويمتلك خبرة علمية ونظرية عالية في اختصاصه، ولم يتمكن من التعيين في العراق ولجأ إلى العمل في القطاع الخاص العراقي.

صمم الطائي 22 جسراً بأشكال مختلفة وأسهم في صنع وتعمير جسر ناظم شط البصرة مع وزارة الموارد المائية في البصرة بعد أن كان جسراً قديماً متهالكاً.

صمم وعمل جسراً في بابل وهو جسر عملاق للمشاة وعرض عليه عمل جسر آخر في بابل مشابه للجسر الأول، وسيبدأ العمل به بعد فترة قصيرة.

ولديه الكثير من التصاميم المجانية للجسور المعدنية المعلقة المواكبة للحداثة العالمية، يقول الدكتور نذير لـ (الصباح): أتمنى أن أخدم العراق من خلال خبرتي في صناعة الجسور وأمتلك خطة ستراتيجية لتصنيع الجسور ذات الكلفة القليلة والسريعة الإنجاز.

وأضاف "عرضت عليّ الكثير من العروض من ألمانيا وأميركا، لكني رفضت الذهاب خارج العراق، ومستعد أن أعمل مجاناً مع الحكومة العراقية في سبيل عمل الخطة الستراتيجية الموجودة عندي، وإذا نفذت سوف نصنع جسوراً ومجسرات كثيرة جدًا خلال سنتين أو ثلاث من مميزاتها قلة الكلفة وسرعة 

الإنجاز".


المعالم السياحية

يرى الدكتور حيدر علي مهدي الموسوي- أستاذ في الجامعة المستنصرية، ورئيس قسم هندسة الموارد المائية- أن "الجسر الحديدي المعلق يعتبر واجهة للبلد ويقاس تقدم البلد من خلال الجسور التي يتم إنشاؤها مثل جسر البسفور في تركيا الذي يعتبر "لوكو" خاصاً بتركيا، وجسر فرانسيسكو في أميركا يعتبر أيضاً لوكو لمدينة فرانسيسكو، وفي بغداد الجسر المعلق الذي أنشئ في مطلع الستينيات وهو من أهم المنشآت العمرانية التي أنشئت في ذلك الوقت وما زالت محتفظة برونقها وجمالها المعماري، بما معناه أن الجسور مهمة جداً وواجهة للبلد". 

وأشار إلى وجود مهندسين أكفاء يملكون الخبرة الكافية في تصميم وتنفيذ الجسور المعلقة في العراق، ومن ضمنهم الدكتور صبيح زكي الصراف، وغيره من الأساتذة الذين يملكون خبرات واسعة في هذا المجال التي تراكمت نتيجة العمل في دوائر الدولة خلال التسعينيات، وأسهموا في إعمار الجسور المحطمة خلال حرب الخليج الثانية وعملوا كاستشاريين وخبراء في وزارة الإسكان، ولديهم خبرة بسبب الحصار وعدم دخول شركات أجنبية للعمل في ذلك الوقت، برز إلى الساحة الدكتور نذير الطائي، خريج جامعة أوكرانيا واكتسب خبرة من تصميم وتنفيذ الجسور من خلال العمل الميداني مع أساتذته في أوكرانيا ونقل هذه الخبرة إلى العراق وأسهم في تصميم وتنفيذ الجسور ويملك الكفاءة العالية في اظهار الجسور بموديلات حديثة وبكلفة قليلة.


حلول للزحام

ومن الخدمات التي تقدمها الجسور للبلد كما يرى الدكتور ثائر جبار الجابري، أستاذ في كلية الهندسة في جامعة بغداد- دكتوراه في الهندسة الميكانيكية -  التخلص من الزحامات في التقاطعات في بغداد نتيجة زيادة أعداد السيارات، إذ أكد ضرورة قيام وزارة التخطيط العراقية بالكشف على نوع التصميم وشكله قبل الشروع بالموافقة على تخصيص مالي له وفرض شروط وقيود تلزم مؤسسات الدولة ذات العلاقة بإنشاء الجسور ضمن مواصفات متطورة وبكلفة معقولة، وليس تنفيذ جسور نمطية مكلفة وتأخذ وقتاً طويلاً لإنجازها قياسًا إلى وقت تنفيذ الجسور الحديثة الحديدية.


مقاومة للزلزال

ويرى الدكتور حسين يوسف عزيز الحساني من محافظة المثنى (47 عاماً)- دكتوراه في الهندسة المدنية في هندسة الجسور وأستاذ ورئيس قسم الهندسة المدنية في جامعة المثنى، أن "الجسور تقدم خدمات مهمة للمواطنين، فهي تنقل المشاة والسيارات وتستعمل لعبور أنابيب المياه وكيبلات الكهرباء وتتحمل أثقالاً كبيرة، ولها فضاءات عالية تحافظ على  الملاحة البحرية وفي تطور مستمر، والجسور من المعالم الحضارية ومهمة وتقاس حضارة الدول ورقيها من خلال منشآتها المدنية وجسورها".

وتابع كلامه أن "في العراق نهرين عظيمين دجلة والفرات وهما ضمن الأنهار المعروفة عالمياً، وأن هذه الأنهر تحتاج إلى جسور متعددة لاكتظاظ السكان حولها ودائماً يقطع النهر المدينة في المنتصف مثل في بغداد الكرخ والرصافة، ولا بد من جسر يوصل بين 

الطرفين". 

وبين أن "الجسور المبنية في العراق جسور تقليدية ولا تصل إلى مستوى الحداثة للجسور في العالم". 

وتابع "تولدت لدينا الخبرات المحلية من الذين أكملوا الدراسة في الخارج وعادوا بهذا الاختصاص الذي يخدم البلد، فنحن نفتقر إلى الجسور الحديثة، والجسور الموجودة في العراق أغلبها تحطمت بسبب الحروب، إذ لا بد من تطوير الجسور في العراق بشكل كبير، ففي البصرة تم بناء جسر التنومة واشرفت عليه شركة ايطالية ومستوى تنفيذه جيد في شط العرب، ولا بد أن تكون لنا جسور في المحافظات بهذا المستوى لأنه جسر ضخم يؤدي خدمة ممتازة للبلد ويحد من الزحامات، لذلك إذا قطعنا الجسور يحدث الزحام لعدم وجود بديل ولذلك فهي ضرورية جدًا للحياة، وينوه، أن "التصميم الموجود للجسور إلى الآن هو تصميم تقليدي بسبب أننا تعودنا عليه، ولكن لماذا لا تدخل التقنيات الحديثة في تصميم الجسور؟، اضافة إلى أن تصميم الجسور الحديدية تكلفته قليلة عكس الجسور الكونكريتية والمنشآت الحديدية سواء كانت جسوراً أو مباني تكون مقاومة للزلازل ولذلك من الضروري تصميم جسور حديدية معلقة لتقاوم الزلازل، إذا حدثت خاصة بعد تكرر حدوث الزلازل في العراق في السنين الأخيرة".