سعاد الجزائري
منذ عشرين عاما ونحن و(الغرب - التحالف الدولي) وتحديدا اميركا، نتحدث عن حالة الطوارئ العراقية، والتي تحولت إلى داء مزمن، حيث تعرضنا إلى أصناف من الارهاب التي كانت مألوفة، وغير المألوف منها، وربما ستتوالد أصناف اخرى كالاشنات، فنحن بالعراق صرنا مختبرا لتجارب القتل والتفجير والتنكيل والفساد.
طرز الارهاب شوارعنا بدماء الشيعة والسنة، والمسيحيين، وانتهك حرمة الأيزيديين، اضافة إلى عمليات التفجير التي طالت حتى مدن كردستان الآمنة، وتهجير داعش لأهالينا في المدن الغربية، ثم وصل الإرهاب إلى هتك أعراض النساء العراقيات، بل وحتى طبيعتنا تعرضت للأرهاب، سواء بتجفيف المياه، أو تدمير ثروتنا الطبيعية وسرقة خيراتنا وتدمير تراثنا.... الخ..
تم كل هذا القتل والخراب بكل أشكاله بعلم ودراية ورعاية الغرب، وشاهد العالم، الذي هزت مشاعره وزة الخليج التي تغطت بزيت البترول، اثناء حرب الخليج،
ولم يحتج هذا العالم نفسه ازاء القتل بأبشع الطرق، التي مورست داخل العراق، ولم نشهد موقفا عالميا حقيقيا ضد هذا القتل والدمار لبلد وريث حضارة امتدت عالميا، اضافة إلى غناه بقدراته البشرية من مفكرين وعلماء ومبدعين ارتقوا المنصات العالمية، وربما هذه الميزات
استفزت من يريد كسر قوة هذا الشعب، لذلك عمدوا إلى أسلوب اغتيالات العقول، التي ستنهض بالبلد باعتبارها منبع زخم إلى التطور والتميز، وسعيا منهم إلى تجهيل شعبنا وتسطيح ذهنيته وزرع الخوف بديلا عن العلم والمعرفة.
نعم، ظنوا أنهم كسروا شوكة العراق، لكنه نهض كالعنقاء من الرماد كما تسلسل نهوضه من انكسارات كثيرة على مر التاريخ.
استمرت حالة الطوارئ طوال عشرين عاما وستستمر طالما مصنع الارهاب الغزير الانتاج، لا يتوقف عن ضخ مجاميع بأسماء وأشكال مختلفة، حتى أن البعض منها تم إنتاجه محليا، والاخر صُنع إقليميا، والثالث صنع غربيا بأدوات محلية حملت سلاحها أمام صدور أبناء جلدتها، ولا أدري كيف يوصف بالوطني، ذاك الذي نحر أكثر من 800 شاب يافع لم يقل الا عبارة (نريد وطن).
بماذا يختلف هذا عن (الداعشي) الذي صاح (الله اكبر) واغتصب بناتنا.
ما أسهل زرع الفتنة في أرض جاهزة لنموها، فالفتنة تم استيراده، وفقا لخطة غربية لكنها طُبقت من قبلنا، وذبحنا بعضنا البعض أمام العالم الذي سخر من سهولة تمرير لعبة الغرب في زرع الكراهية بيننا، لتستمر حالة الطوارئ، التي هي انتهاك مباشر وعلني لسيادة العراق، وهي بالتالي خدمة للإرهاب ولمصالح الغرب، وما علينا الا ان نستمع إلى ما تمليه اميركا وتوابعها من بلدان الغرب، والامم المتحدة التي تجيد الاعراب عن قلقها وليس اكثر من ذلك.
ربما كان لحالة الطوارئ مبرراتها في سنوات الفتنة الطائفية، عندما ذبحت السكاكين العراقية الشباب من الطائفتين، لدرجة أن الكثير غيروا أسماءهم خوفا من التأويل، وهذا لم يحصل في أي بلد عربي أو اسلامي عدا العراق.
الاعلان من قبل بايدن عن استمرار حالة الطوارئ بالعراق تبدو لكل عارف، وكأننا بلد جاهل لا يتمكن من حل إشكالاته الا بوصاية ورعاية من الاخرين.
فإلى أحزابنا وتحالفاتنا، غير المجدية، إلى قوائمنا المتعددة الأسماء والوجوه والنوايا، والى ألوان وأشكال المسؤولين، وغير المسؤولين، اتساءل بصدق نية:
هل نحن شعب أمي جاهل، لا يمتلك أي كفاءة ليقرر نيابة عنا الآخرون؟
ولِمَ ترتضِي حكومتنا القرار الامريكي بفرض تمديد حالة الطوارئ؟
ولِمَ نسلم رقبتنا بيد الغير ليحددوا لنا مصيرنا ومستقبلنا؟.
الارهاب موجود في كل زاوية من هذا العالم طالما هناك؛ بترول يجب ان تتزود به الدول التي تفتقر اليه، وطالما هناك أسلحة يجب أن تُباع، ودول يجب أن تركع لدول أخر لتقرر سياساتها ورسم خارطة طريقها، وطالما هناك حكومات تبيع عرضها وضميرها بثمن بخس... وطالما نحن بضاعة رخيصة للبيع أو مجانا.
حالة الطوارئ هذه ستبقى ما دمنا لا نعترض عليها، ولا نقدر سيادة بلد موجود حتى قبل اميركا، ولأن بوش الابن قال (سنحارب الارهاب على ارض العراق)، فهم مَن قرر ان نكون ساحة مصارعة أرهاب، ومصارعة ثيران بجسم بشري...
لنتفق جميعا على أننا أدرى بشعابنا، وألا نوافق على وضع بلدنا، الذي انتج علماء وخبراء وشبابا يتفوقون حتى عالميا، في خانة بلدان تصنع الارهاب، لأن الارهاب صُنع لتدميرنا وإركاعنا.
وبالتالي لن نرضى بفرض حالة طوارئ علينا، لأن شوارعنا وبيوتنا الان آمنة نسبيا، وقد بلغنا سن الرشد لنقرر نحن وليس (الاكبر) منا، والذي لا يهمه أمرنا.