سارة طالب السهيل
إنه بلد الحضارات السبع والثقافات المختلفة والأعراق المتعددة واللهجات المتنوعة، بل وفي قلب البلد الواحد أكثر من لغة واحدة: العربيَّة والكرديَّة والتركمانيَّة والسريانيَّة والديانات الموزعة بين أرضه شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة والأيزيديَّة والشبك والصابئة والكاكائيَّة والبهائيَّة وبعضهم بطوائف مختلفة، وهي البداوة والحضارة وهي الريف والمدينة والصحراء، وهي شيخ القبيلة والبيك والباشا والأفندي والسيد ومولانا وكاكا والخافتون والشيخة والدكتورة.
أما جغرافيته فهي النهران، بل أربعة أنهر، والسهول والجبال والوديان والصحاري والبحيرات والبحر والسدود والجزر، وهي أرض السواد الخصبة وهي الأهوار التي تنافس الأنهار، هي بلد النخيل كانت الأولى وعادت وستعود، إنها بلد العجائب والغرائب، وبها دار السلام وعاصمة الخلافة، وأكبر ثاني مدينة في الوطن العربي، التي تضرب بها الأمثال لمن يبالغ في الترف والدلال فيقال له (تتبغدد علينا)، إنها بلد الماء العذب والأرض الطيبة والسماء الباسمة.. إنَّه العراق يا سادة، العراق الذي تحدى وقاوم فهو الذي كلما أوقدوا ناراً للحرب عليه أطفأها الله، إنه الوطن الذي لا يموت، بل يولد من جديدٍ كل عام.
إنَّه الوطن الذي يشهد له الجميع العدو قبل الصديق بالكرم والشهامة والغيرة العراقيَّة، فمن يزوره لا يعدونَّه سائحاً، بل يحلُّ ضيفاً على كل بيت وفي كل مرفقٍ، فمن ذا الذي يباريهم بالكرم دون منّ أو رياء أو مصلحة - حاشا لله -، فمن لم يزر العراق العظيم فاته نصف الدنيا، وكأنه متحف للكون من كل بقعة تحفة فنيَّة ومن كل لون زخارف إبداعيَّة.
فاكته طيبة، أهل البصرة وقلعة أربيل ومنتجعات السليمانيَّة ومقامات كربلاء وملويَّة سامراء وشارع المتنبي، ورائحة الكتب العتيقة وزقورة عكركوف ولالش في دهوك وجامع الكاظميَّة ومدينة الحضر في نينوى وقلعة سرجون وقلعة تلعفر وبابل وأسوار أوروك والحدائق المعلقة، وفي بغداد التاريخ والحضارة على شاطئ دجلة والسمك المسكوف والشاي بالهيل، والدولمة العراقيَّة والكليجة التي صنعت بأيادٍ تحب الضيف فتسخى بمكونات الطعام فأحد أسرار المطبخ الشهي السخاء والحب.
بغداد الآن قديمة وحديثة بأحدث المطاعم والمولات والمحال التجاريَّة والأماكن السياحيَّة الراقية والجميلة، فلكل من يقرأ هذه السطور دعوة رسميَّة وخاصة بأنْ يشدَّ الرحال ليكتشف هذا العالم الساحر، ولكل مسؤولٍ في الدولة ووزارة السياحة لكم بعض السطور في هذا المقال:
يعدُّ العراق أحد أهم مراكز الإرث الحضاري في العالم ارتباطاً بكونه موطناً لأقدم حضارات الشرق، وبه قامت الحضارات البابليَّة والسومريَّة، والإسلاميَّة في بغداد.
وكل رافدٍ من هذه الروافد الحضاريَّة ترك بصماته الأثريَّة على أرض العراق الحبيب وجعلها إرثاً للإنسانيَّة كلها من مشارق الأرض إلى مغاربها.
وبجانب ما يتمتع به من مقاصد أثريَّة تعبر عن مختلف العصور والحقب التاريخيَّة، فإنَّ الطبيعة الخلابة للعراق بين نهري دجلة والفرات وغيرها، عوامل تشجع استثمار هذه الكنوز الطبيعيَّة الأثريَّة في إقامة صناعة سياحيَّة بإمكانها أنْ تكون مصدراً رئيساً للدخل القومي والوطني.
وللأسف فإن العراق على مدار عقودٍ طويلة بسبب الظروف الصعبة والحروب التي شنت عليه اقتصر رغم موارده المتعددة في مكونات دخله القومي على العوائد النفطيَّة، دون العمل على تنويع مصادر الدخل القومي عبر القطاع السياحي بسبب الظروف التي مرَّ بها سابقاً، ولذلك لم يهتم المسؤولون بإقامة بنية تحتيَّة من خدمات ومرافق بالمواقع الأثريَّة والتراثيَّة الخالدة بالعراق، فبعد الاستقرار الأمني حالياً من الواجب البدء اليوم وليس
غداً.
وكذلك الاهتمام بفنون الترويج والدعاية الحديثة الضروريَّة واللازمة لجذب السياح إلى العراق عبر أدوات وبرامج التنشيط السياحي وتروجيها بالخارج، وتأهيل الملاكات العاملة بالقطاع السياحي من سائقين ومرشدين وعمال الفنادق وتطوير الخدمات بالمناطق السياحيَّة، والاستفادة من الخبرات الدوليَّة في تحديث منظومة السياحة العراقيَّة.
أنعم الخالق العظيم على العراق بطبيعة ساحرة تجتذب عشاقاً كما في سلسلة جبال كردستان وواحات الرمادي وغابات الشمال، والأنهار، والبحيرات والشواطئ، بجانب تميز العراق بميراث أكثر ثراءً في الفنون الموسيقيَّة والدبكات والأدب والفنون البصريَّة والعمارة والنحت والشعر والطرب.
ورغم اجتماع حضارات العالم القديم بالعراق، إلا أنه كان هناك قصورٌ كبيرٌ في الترويج والدعاية للمقاصد السياحيَّة العراقيَّة، فكيف لا يروج مثلاً لمدينة بابل المشهورة بقوسها وبجدرانها القديمة، برج بابل الذي يرمز إلى إحدى عجائب الدنيا السبع؟
والترويج لمدينة نينوى حيث موقع الحضارة الآشوريَّة القديمة، وما تضمه من بقايا المدينة القديمة الأثريَّة والمعابد والأبراج العالية.
بينما تضم العاصمة بغداد التصاميم الإسلاميَّة العريقة عبر القلاع الشهيرة بمنطقة الحمراء، وكذلك مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان وما تتمتع به من طبيعة خلابة ومبانٍ عتيقة.
وكما تضمُّ أرض العراق كنوز حضارته، فإنها تكتنز أيضاً جمال وإبداع الطبيعة المتمثل في منطقة الأهوار العراقيَّة، حيث تعدُّ أكبر المستنقعات في العالم وتضم الكثير من مظاهر الحياة البريَّة والطيور المهاجرة.
أما السياحة الدينيَّة فلها عشاقها داخل العراق، ومن أشهرها مدينة كربلاء المعروفة بالمرقد الحسيني، ومدينة سامراء المشهورة بمرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وتضم العديد من المعالم الدينيَّة والأثريَّة، فضلاً عن ضريح النبي جرجس في الموصل ومسجد ابي حنيفة النعمان.
أتمنى على الحكومة العراقيَّة أنْ تنفضَ غبار الإهمال عن القطاع السياحي وأنْ تضع خططاً قصيرة وطويلة الأجل للنهوض بالقطاع السياحي ليكون قطاع المستقبل، على أنْ تتضمن هذه الخطة فتح الباب للمستثمرين من داخل وخارج البلاد للنهوض بهذا القطاع المهم جداً، وأنْ تسنَّ تشريعات قانونيَّة اقتصاديَّة لجذب أموال المستثمرين ودعمهم وتشجيعهم على الاستثمار في القطاع السياحي وتدشين حملات دعائيَّة وتسويقيَّة بالخارج لتنشيط حركة السياحة العالميَّة إلى العراق وتطوير وسائل النقل والمطارات، لتيسير حركة السياحة الوافدة مع التوسع في بناء الفنادق الحديثة لاستيعاب حجم السياح المتوقع بعد التطوير والدعاية.
بتقديري، فإنَّه يمكن تنظيم رحلات سياحيَّة جاذبة للعراق من مختلف دول العالم بأسعارٍ رخيصة وتنافسيَّة لجذب السياح أولاً، كما تفعل تركيا والعديد من البلدان الجاذبة للسياحة، ومع تطوير صناعتنا المحليَّة السياحيَّة مع الوقت يمكن أنْ تتحول السياحة العالميَّة في معظمها إلى أرض العراق، لا سيما إذا استطاعت الحكومة العمل على ضمان استمرار استتباب الأمن والاستقرار بالبلاد.