سعد الراوي
بعد مرور ما يقرب عقدين من الزمن على وجود الديمقراطية في العراق، نجد أنها تتعثر وفي بعض الأحيان تتراجع، وبعد تحديد موعد إجراء الانتخابات لمجالس المحافظات في 18 كانون الأول 2023م وأننا لا نجد حوارا وتعاونا بين شركاء العملية السياسية، لإنضاج منظومة انتخابية متكاملة وفق المعايير الدولية وكأن الواجب الأهم في الانتخابات هو تحديد موعد لها، ولا تكون الانتخابات مقبولة محلياً ودولياً إلا بشروط وضوابط نذكر في أدناه أهمها:
1 - هناك عدم وضوح في فقرات القوانين الانتخابية، وأي غموض فيها سيؤدي إلى إشكالات يتعذر حلها إلا بقرار قضائي أو تفّسر لصالح الفاعل السياسي.
2 - لا توجد مراقبة مهنية من معظم الأحزاب والمنظمات إلا القليل، وهناك تقارير مهنية فيها تشخيص للخلل وإعطاء معالجات له لكن من المؤلم أن نقول إنها أهملت ولم يتم التعامل معها بمهنية، وتقرير بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات العراقية نموذجاً لما أقول فقد أعطت تقريرا مفصّلا بـ 90 صفحة يعتبر تقريرا فريدا ومهنيا، غفلت عنه حتى المنظمات الدولية العاملة في العراق منذ عقدين من الزمن، ولديهم مقرات في مفوضية الانتخابات.
3 - معظم الأحزاب التي اعترضت على نتائج انتخابات عام 2021م، لم تطرح رؤية لحل الإشكالات الفنية التي كادت أن تنهي العملية السياسية في العراق، وتأخر إعلان النتائج وتشكيل الحكومة لعام كامل، لذا لا غرابة من تكرار الإشكالات نفسها ولا نجد لها حلاً.
4 - من المؤلم أن الحوارات والتعديلات لا تتعدى 4 أو 5 فقرات من عشرات أو مئات الفقرات، التي تتضمنها قوانين المنظومة الانتخابية والأشد إيلام أن معظم الاعتراضات تكرست فقط على طريقة توزيع المقاعد وتجاهلت غياب معايير مهمة لإنجاح أي انتخابات في الدول الديمقراطية.
5 - كثير إن لم نقل كل الأحزاب الناشئة أو التي لا تمتلك تمثيلا كبيرا، اشهرت اعتراضها على طريقة توزيع المقاعد، ولم نجد لها دراسة معمقة للقانون الجديد، وسأذكر فقرة واحدة مهمة اغفلوها، وهي أن التصويت لكل الناخبين حصري عن طريق البطاقة البايومترية، وأن هناك ما يقارب 40% بحدود 10 ملايين من الناخبين لا يمتلكونها، ووارد جداً ان يكون هؤلاء جمهور هذه الأحزاب، ولم نجد لهم رؤية للمعالجة أو حتى اعتراضا.
6 - بقي موضوع الدعاية الانتخابية سائبا دون عقاب، فكل فقرات هذا الفصل تبدأ بـ {يمنع استخدام أموال الوقف السني أو الشيعي/ لا يجوز استخدام معدات وأبنية الدولة للدعاية الانتخابية/ يحرم.. / يمنع. وهكذا} وستتكرر كل التجاوزات وأكثر في أي انتخابات قادمة.
7 - أرجو أن يتقبل الجميع بأن هناك مشكلة في البيئة الثقافية الانتخابية، بكونها ضعيفة جداً، ومؤلم أن نقول حتى عند بعض الأحزاب السياسية فكيف بالجمهور وهذا عنصر مهم غفل عنه معظم شركاء العملية السياسية ولدي كلام كثير في هذا الأمر لا يتسع المجال لسردها، ففي الدول الديمقراطية كأستراليا هناك معهد للثقافة الديمقراطية يبدأ من المدارس الابتدائية، لذا نقترح إعادة فتح المعهد الثقافي الانتخابي وتطويره، وإعداد مناهج لكل المراحل الدراسية لإضافة مواد مخصصة للثقافة الديمقراطية.
8 - لم يعالج القانون الجديد رقم 4 لسنة 2023م أيًا من الإشكالات الفنية والقانونية، مع كل الأسف وكل مشكلة ظهرت ولم تعالج سيتضاعف انعكاساتها على نتائج الانتخابات القادمة، فلا يزال هناك فرز وعد يدوي وإلكتروني، وهناك فارق كبير بين نتائج كل منهم، وإذا كانت في الانتخابات السابقة أكثر من 720 ألف صوت ضمن الأصوات الباطلة ما نسبته أكثر من 8% من المصوتين، فقد تزداد في انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك إشكالية طريقة إعلان النتائج في المحطات وعبر الناقل الالكتروني.. الخ.
9 - لم نجد المنظمات الدولية العاملة في العراق أي طروحات لمعالجة ذلك، فكنا نتمنى أن تكون جزءا من الحل، إذ لم نجد لها تقارير مفصّلة كتقرير الاتحاد الاوربي، وهذه معضلة بحد ذاتها فكثير من الجمهور يطلب تواجد هذه المنظمات، وأن تراقب العملية الانتخابية من الألف إلى الياء.
10 - هناك شبه فوضى في عملية الترشيح، فالكثير يعلن ترشيحه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومعظمهم لا يعرف شروط وضوابط الترشيح ومما يزيد هذا الامر تعقيد افتقار كثير من الأحزاب لخطة انتخابية وخطوات لاختيار وتثقيف المرشحين وإدارة حملاتهم، لا بل قد نجد أحزاب تبحث عن مرشحين لهم مقبولية ومؤيدين ليضموهم إلى قوائمهم، واما الائتلافات نراها تتفق من حيث المبدأ وتختلف في التفاصيل، وخصوصا عند اختيار المرشحين وتسلسلاتهم في القوائم لافتقارهم لنظام داخلي للائتلاف يفصل ذلك وخطة انتخابية واضحة.
لا يمكن أن ندرج كل الأسباب التي أدّت إلى تعثّر وتراجع الديمقراطية في العراق في هذا المقال المختصر، وأما المعالجات فتحتاج إلى أوراق تُعد من كل شركاء العملية السياسية، وأن تتبنى الحوار جهة رسمية عليا أو منظمة دولية لها مقبولية لدى الشركاء، وعندما نجد ذلك سأدلو بدلوي بعدة أوراق مهنية لهذا الأمر وأرسلها لمن يتبناها أو يتبنى الحوار.