العالم وزيادة الطلب على الطاقة المستدامة

اقتصادية 2019/04/22
...

توم كاساويرز
ترجمة: بهاء سلمان
 
 
 
كان صيف البرازيل سنة 2015 ساخنا للغاية، مع وصول درجات الحرارة لأكثر من 37 درجة مئوية، مع تسجيل حالة جفاف عدّت الأسوأ في تأريخ البلاد، لدرجة نضوب الماء من صنابير مدينة ساوباولو. لكن، ربما بتوقع أقل، حمل الجفاف معه انطفاء الأنوار؛ وتوجب على حكومة البرازيل، المعتمدة على الطاقة المتوّلدة من السدود، تنفيذ جداول لانقطاع التيار الكهربائي للتعامل مع الطلب على
 الطاقة.
كان وضعا شديد الوطأة تسببت به احصائيات مفاجئة، فرغم الاعتقاد الغالب لكون الطاقة المتجددة تمثل عالما ثريا، فإن دول متطوّرة مثل البرازيل والنرويج وّلدت ما يقرب من 74 بالمئة من كهربائها من الطاقة المستدامة سنة 2015، فقد كانت النسبة تصل الى 89 بالمئة سنة 2009 بالوسيلة نفسها. وهي بذلك لم تقترب الى الريادة بهذا الميدان، ولا حتى النرويج، ففي الواقع، وطبقا لمصادر البنك الدولي، وبحسب آخر سنة تتوفر عنها بيانات عالمية لانتاج الطاقة المتجددة، وهي سنة 2015، ولّدت أربع دول كامل احتياجاتها من الكهرباء وبنسبة مئة بالمئة بواسطة تلك الوسائل، وهي البانيا وليسوتو والنيبال والباراغواي.
 
السدود أولا
وبشكل مثير للدهشة، لم تعتمد تلك الدول كثيرا على ألواح الطاقة الشمسية وطواحين الرياح، ففي الحقيقة، لم يتم انفاق الا القليل جدا على ما نعرّفه اليوم بالطاقة المتجددة، فهي تحصل على طاقتها من السدود، وتواصل عمل هذا الشيء لبعض الوقت حاليا. سنة 1990، أنتجت النيبال والباراغواي كامل كهربائها من الطاقة المتجددة؛ مقارنة بالولايات المتحدة التي أنتجت ما نسبته 11,5 بالمئة من كامل احتياجها من الكهرباء عبر الطاقة المتجددة في السنة نفسها . أما في 2015، فقد زادت تلك النسبة قليلا لتبلغ 13,2 بالمئة فقط، بينما كانت 23 بالمئة من الانتاج العالمي تتم بواسطة الطاقة المتجددة.
في هذه اللحظة، تعد الطاقة الكهرومائية هي مصدر الطاقة المتجددة الرئيس في العالم. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة، أنتجت الطاقة الكهرومائية سنة 2016 ما نسبته 75 بالمئة من كامل انتاج الطاقة المتجددة، بينما تخلّفت ألواح الطاقة الشمسية الى ما دون ستة بالمئة؛ وبدون احتساب الطاقة الكهرومائية، فإن 6,7 بالمئة فقط من طاقة العالم تم توليدها من الطاقة المتجددة سنة 2015.
ويقول “ديكلان كونوي”، الباحث في جامعة لندن للاقتصاد، حيث يدرس الطاقة الكهرومائية في الدول النامية: “انها على الأرجح حالة لم يتم إدراكها بعد، فبعض الدول الأفريقية، بطبيعة الحال، لديها انتاج متدن للطاقة الكهربائية، لكن من المثير لدهشة الكثير من الناس لعب الطاقة الكهرومائية لمثل هذا الدور الكبير في توليد الطاقة لتلك الدول.”
 
زيادة متوقعة
وبرغم انخفاض الانتباه اليها بعد موجة انتقادات بسبب تأثيراتها الاجتماعية البيئية والتي ازدادت ذروتها خلال تسعينيات القرن الماضي، لا تزال الطاقة الكهرومائية لديها الكثير في جعبتها لنا، كما يقول “ديفد غيرنات”، الباحث في جامعة اوتريخت الهولندية، حيث يعمل على تقييم الامكانات المستقبلية للطاقة الكهرومائية، ويضيف: “نظريا، اذا ما تمكّنا من الاستفادة من جميع المواقع المتاحة الممكنة لتشييد السدود، سنستطيع تلبية ثلثي الطلب العالمي الحالي من الكهرباء من خلال الطاقة الكهرومائية.”
وتوضح تلك الحالة الافتراضية امكانات الطاقة الكهرومائية غير الملباة، وحدود قدراتها بالوقت نفسه أيضا؛ ففي الواقع، تغيّر المناخ، والازدياد المتوقع بحالة الجفاف الشديد، يتوقع لها أن تثبط فاعلية الطاقة الكهرومائية بشكل هائل، كما حصل في البرازيل من موجة جفاف سنة 2015. يقول كونوي موضحا: “اذا حصلت حالات جفاف، التي في مناطق كثيرة تحصل بشكل متكرر جرّاء حالة الدفء العالمي، ستخفق السدود على الأغلب اذا لم نقم باجراءات تعديلية 
عليها.”
مع ذلك، تبقى السدود تمثل خيارا جاذبا للبعض، فالعالم النامي، على وجه الخصوص، شهد نهضة بالطاقة الكهرومائية خلال السنين الأخيرة، فقد وجدت دراسة أعدت سنة 2015، أن 3700 سد كبير كان يجري التخطيط لها أو قيد الإنشاء في تلك الفترة، مع تركيز عال في البرازيل ودول البلقان وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا؛ لكن هذا الحال ليس واقعيا في مناطق أخرى، فالعديد من دول أوروبا وأميركا الشمالية تعمل على تفكيك السدود القديمة. وبالوقت نفسه الذي تتنبأ فيه الوكالة الدولية للطاقة بتضاعف كميات الانتاج المتوّلدة من الطاقة الكهرومائية للفترة ما بين 2017 و2040، فمن غير المتوقع زيادتها بقدر الطاقة الشمسية نفسه، حيث تتنبأ الوكالة بتجاوزها للطاقة الكهرومائية بالأهمية بحلول 2030 وتجاوز الفحم سنة 2040. وتخطّت طاقة الرياح الطاقة الكهرومائية لأول مرة سنة 2017 كأهم مصدر للطاقة المتجددة داخل الإتحاد 
الأوروبي.
 
مشاكل متعددة
وما عدا ضعفها تجاه حالة تغيّر المناخ، لا تعد الطاقة الكهرومائية مادة مفضلة لدعاة الاستدامة، فالسدود الكبيرة غالبا ما تحمل معها كما هائلا من العواقب الاجتماعية والبيئية السلبية، ولطالما ناهضت المجاميع المدافعة عن البيئة تشييد سدود ضخمة على مر السنين. وأظهر بحث حديث أن الماء الراكد في خزانات السدود لا يزال يطلق الميثان، ومن ثم تسهم بظاهرة الدفء العالمي، برغم عدم كون جميع السدود تحوي هذه الميزة. 
ويتم ترحيل الناس غالبا لتكوين الخزانات، وتغمر السدود مواطن برية طبيعية، ويحصل اعاقة لأنظمة تدفّق الأنهار بسبب تشييد السدود 
الكبيرة.
ويقول “جيمس تيمبل”، المحرر المتخصص بالطاقة المتجددة بإحدى الصحف الأميركية المتخصصة بالتقنيات الحديثة: “وقفت بعض المجاميع البيئية الكبرى طويلا ضد تشييد سدود كبيرة، وبرغم ذلك فهي أساسية، وتمثل أحد أهم الأدوات نحو قيادة تغيير باتجاه مستقبل لطاقة 
مستدامة.”
يكمن أحد الحلول الممكنة للخروج من هذا المأزق في تشييد سدود صغيرة الحجم، حيث عملت هذه المنشآت الصغرى، التي غالبا ما يكون تأثيرها متدنيا، على تزويد تجمعات سكنية في بعض المناطق بلا تأثيرات بيئية سلبية، كما هو الحال مع السدود الكبيرة. هذا الحال أقنع بعض الجماعات المدافعة عن البيئة بعدم التشكيك بالطاقة الكهرومائية. لكن ليس دائما، فقد وجد تقييم للسدود الصغيرة داخل البانيا أنها لم تراعي القوانين البيئية أو تستشير التجمعات السكنية المحلية، وهي بالضبط نفس المشاكل التي يواجهها الناس مع السدود الكبيرة.
 
مجلة اوزي الاميركية