د. صادق كاظم
لا يكاد يمر يوم دون أن تصطدم القوات الأمنية بتجار المخدرات وحدوث اشتباكات معهم تنتهي بوقوع إصابات وخسائر.
وزارة الداخلية العراقية التي تعتبر الجهة المعنية بهذا الملف الخطير تؤكد بأن هناك حربا فعلية تجري بشكل سري مع تجار المخدرات، الذين يحاولون التأسيس لمصانع داخلية للمخدرات واقامة سوق ضخمة للتعاطي، إذ تدر هذه التجارة الخطيرة مبالغ مالية ضخمة تثير رغبات هؤلاء التجار للاستمرار فيها.
الخطير في هذا الأمر أيضا أن أشخاصا آخرين من ذوي الاموال بعضهم حتى من الاطباء باتوا يدخلون إلى سوق تجارة المخدرات، هذا ويضخون أموالا لشراء المخدرات وترويجها سعيا للحصول على ارباح عالية منها.
هذا التوسع في تجارة المخدرات يشكل تحديا وتهديدا لامن البلاد واستقرارها، فزيادة المتعاطين والزبائن الباحثين عن المخدرات سيعني ارتفاع معدلات الجرائم وقسم من الجرائم بات يظهر كتحدٍ جديد، ويتسبب في مآسٍ انسانية مروعة، مثل اقدام المتعاطين للمخدرات بقتل أسرهم ومن ثم الانتحار بعدها أو قيام بعضهم بقتل أفراد من أسرته، ومن ثم الهروب أو الانتحار.
كل هذه الجرائم باتت تحدث بسبب رواج المخدرات وانتشارها بشكل مرتفع وكبير في البلاد، ورغم جهود قوات الامن التي تعمل ليلا ونهارا على مراقبة تجار المخدرات وشبكات التوزيع والاطاحة بها إلا أن هذه التجارة لا تتوقف.
تقليص هذه التجارة وايقافها يتطلب عدة خطوات أساسية، والتي منها دعم قوات مكافحة المخدرات وتزويدها بالآليات والطائرات والاسلحة المتقدمة تكنولوجيا، اضافة إلى تفعيل عقوبة الاعدام بحق المتاجرين ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم بالكامل، وحتى ذويهم من الدرجة الأولى، وكذلك عقد اتفاقيات مع دول الجوار لإقامة مركز تعاون استخباري خاص بالمخدرات، يتضمن تبادل المعلومات وتتبع الشبكات.
العراق كان في الماضي ممرا لنقل وتهريب المخدرات القادمة من مصانع افغانستان، حيث تنتشر مزارع الافيون والخشخاش لتنقل بعدها إلى الخليج وأوروبا، بينما أصبح الآن ممرا وسوقا لهذه التجارة بعد تراخي الاجراءات الامنية والانشغال بالحرب على الإرهاب، اضافة إلى قيام شبكات الاتجار بالمخدرات بشراء الذمم وتوفير مظلة حماية لها من قبل بعض الفاسدين في الاجهزة الأمنية، وهناك حالات عديدة يظهر فيها منتسبون في الاجهزة الامنية يتم ابعادهم عن عملهم ومعاقبتهم من قبل بعض القيادات، بسبب دورهم في الاطاحة بشبكات المخدرات التي تقيم علاقات مريبة معها وهو امر طبيعي ومتوقع بسبب كميات الاموال، التي تغري بها شبكات تجار المخدرات هؤلاء المسؤولين من أجل حمايتهم.
الامر الخطير والاخر هو أن تجار المخدرات يعملون لغرض ابعاد الشبهات عنهم بغسيل أموال المخدرات، من خلال شراء العقارات والسيارات والسلع الاستهلاكية الأخرى، اضافة إلى محاولة اختراق النسيج السياسي والأمني، من اجل حماية نفسها وضمان استمرار هذه التجارة وازدهارها، وهو ما سيعرض المجتمع العراقي إلى الخطر الشديد، اذ سيرتفع اعداد المدمنين والتي سترتفع معها أعداد المجرمين والخطرين منهم بالذات، اضافة إلى ان تجار المخدرات بامكانهم تهديد حياة قادة الاجهزة الامنية في البلاد في حال التصادم معهم، اضافة إلى امكانية التعاون مع اجهزة مخابرات وجهات اجنبية معادية للبلاد، من اجل الحصول على الاموال ولو على حساب البلاد وشعبها.
قد يكون الحل الامني والقانوني المسار المتاح حاليا لإيقاف هذه التجارة الخطيرة والحد من تاثيراتها، لكن الامر يتطلب ايضا توفر المؤسسات الصحية لرعاية المدمنين ومعالجتهم من أخطار هذه المخدرات وشفائهم منها، وعودتهم إلى المجتمع كأفراد اصحاء وعناصر مفيدين ومنتجين فيه.