مفارقات لافتة في قمتي جدة وهيروشيما

آراء 2023/05/31
...

 عبد الحليم الرهيمي


خلال انعقاد قمة قادة بلدان الجامعة العربية في مدينة جدة السعودية يوم 19 آيار – مايو الحالي، وكذلك خلال انعقاد قمة الدول الصناعية السبع الكبار G7 في مدينة هيروشيما اليابانية في الوقت نفسه.. لفتني في هاتين القمتين عدد من المفارقات أو الأمور اللافتة للانتباه حقاً.

أولى هذه المفارقات – الأمور تمثلت في مفاجئة حضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي اجتماع القمة العربية في جدة بدعوة رسمية من الجامعة العربية، وهو الأمر الذي حمل رمزية كبيرة في دعم البلدان العربية لكفاح وقتال الشعب الاوكراني ضد الغزو والعدوان الروسي البوتيني عليه، بحرب دموية منذ الخامس عشر من شهر نيسان العام الماضي والمستمرة حتى الآن بأبشع صورها، رغم أن البعض اعتبر هذا التأييد العربي للشعب الاوكراني على أنه استفزاز لموسكو يثير حفيظتها وحساسيتها، لكن لم تعر القمة اعتباراً لذلك. 

والمفارقة اللافتة الثانية تمثلت أيضاً في دعوة القمة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان كممثل رسمي للسودان العضو في الجامعة العربية، وأذ تعذر على البرهان الحضور لانشغاله بإدارة دفة الحرب في بلاده ضد تمرد قائد قوات التدخل السريع محمد احمد حمدان دقلو الملقب بـ “ حميدتي “، فقد أوفد للقمة ممثلاً عنه لتأكيد حضوره وشرعيته. 

وقد اعتبر موقف القمة هذا والبلدان العربية الحاضرة تجاوزاً للموقف “الحيادي”، وحسم موقفها إلى جانب الشرعية في السودان وضد التمرد عليها.

اما المفارقة اللافتة الاخرى فكانت حول تصريح أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي ادلى به بعد انتهاء القمة وقال فيه من جملة ما قال: ان قرار عودة سورية إلى الجامعة العربية انما اتخذ (بمعزل عن رأي الخارج)، وكان يقصد بذلك الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية، التي تعارض تطبيع البلدان العربية لعلاقتها مع سوريا وإعادتها لجامعة الدول العربية، لا سيما بوجود ممثل أممي يسعى لايجاد تسوية سلمية للمشكلات السورية، لا سيما علاقة النظام بمعارضيه، والمفارقة هنا أن السيد أبو الغيط الذي يقود الدبلوماسية العربية كان عليه ان يستخدم تعابير دبلوماسية في رفضه للخارج بالقول مثلاً: نحن نتفهم موقفه وخلفياته، لكن لنا رأينا.

اما وقد فضل اختيار مصطلح (بمعزل)، فكان عليه ان يكون صريحاً بالقول: اتخذنا هذا القرار ايضاً (بمعزل) عن الشعب السوري الذي يعيش نحو نصف عدده مهجراً في بلدان الشتات ويعاني في بعض هذه البلدان، كلبنان وتركيا، مواقف عنصرية ومعادية لهم تطالب بإبعادهم، وذلك فضلاً عن راي الشعب السوري في الداخل الذي يعاني من الويلات والظروف الصعبة والأضطهاد.

والمفارقة الأخيرة تتمثل بدعوة الرئيس الاميركي لحضور قمة الدول الصناعية السبع G7 في مدينة هيروشيما اليابانية، التي اسقطت عليها قنبلة نووية بقرار من سلفه الرئيس الاميركي هاري ترومان، وذلك في السادس من آب 1945 والقنبلة الثانية على شقيقتها مدينة نكازاكي في التاسع من الشهر ذاته.

وسواء اختارت الحكومة اليابانية هذه المدينة لاجتماع قمة G7 وهي تعرف حساسية الرئيس الاميركي بايدن من الحضور، لكن بايدن قد حضر رغم ذلك كنوع من الاعتذار مما اتخذه سلفه وكأحترام لضحايا وشهداء تلك القنابل، اما قرار الحكومة اليابانية بجعل هيروشيما مقراً للقمة، فربما أرادت أن تقول: (نحن نغفر لكننا لا ننسى) وهو كلام حق دون شك. والواقع، ان تلك المفارقات لم تكن عابرة وبدون مغزى، انما حملت دلالات سياسية وتاريخية واخلاقية عميقة، كما اشرنا اليها باختصار شديد، وهي مفارقات ربما لم ينتبه لها كثيرون، لكني وجدت من المناسب والمفيد أن أسجلها وألفت لها أنظار من فاته الانتباه لها.