سعد العبيدي
أدخلَ ساسة الماضي البلاد من قبل في حروب عبثية، أخذت من القيم والتقاليد الإيجابية للتكافل والتواد والصدق والأمانة كرأس مال اجتماعي الكثير، وأحطت من قدر الثقافة وغيرت الطباع، وأدخلَ العالم الحر ودول الجوار وبعض الساسة الجدد العراق ما بعد الاحتلال في أتون الإرهاب والفساد، ليستمر الأخذ والفقدان والمسخ الثقافي وتغيير الأحوال، رأس مال وجوده لازم في أي مجتمع من المجتمعات لتكوين الوحدة المجتمعية وتعزيز المشاعر الوطنية وتحقيق الأمان، وتفادي العيش في التيه الاجتماعي وتجنب شيوع الجهل واضطراب
السلوك.
إن فقدان رأس المال الاجتماعي الحاصل في العراق كارثة عامة، إذ بفقدانه، يهرب رأس المال الوطني، ويغيب المستثمرون، وتبتعد الدول والشركات والمنظمات اللازمة للتطوير والنماء، ويحل التعامل على أساس الاستغلال، ويحصل التصدع المجتمعي كآثار نفسية، تفضي إلى الاكتئاب واليأس، ومن ثم النكوص إلى الماضي، المغالاة في الطقوس لحماية الذات من تهديدات الحاضر، والأخطر منها جميعاً حصول الانحراف الحاد بالفكر والأخلاق الذي يدفع إلى نشوء حركات اجتماعية دينية متطرفة، بدأت مؤشراتها واضحة مثل جماعة القربان وأصحاب القضية ومن قبلهم جماعة جند السماء، وبدأ البعض ينساق نحو البدع والخرافات التي تقوم عليها ويجري البعض الآخر خلف معتوهين منها يدعون منزلة دينية، ويجاهرون بنزول جبريل على مقامهم، وزيارة الأئمة لديارهم، وامتلاكهم القدرات الربانية على
الشفاء.
إن فقدان رأس المال الاجتماعي مشكلة، أحلت في الجنوب العراقي الأكثر تخلفاً وجهلا من باقي مناطق العراق، مشكلة سيكون التعامل معها صعباً، لأنها جاءت من رحم الدين والمذهب، ولأنها وجدت من يبايع ويؤيد ويجري مع القطيع دون استخدام العقل الذي خُدر بمقادير من الطقوس والغيبيات لعشرات السنين، والصعوبة الأكبر بقاء هؤلاء اللاهثين المبايعين في حالة وهم نفسي يحاولون اثبات أوهامهم، وقد يلجؤون إلى القوة لإثباتها وسيستمرون إلى حين مجيئ قوة عاقلة من الدين، أو السياسة ترجعهم للعيش في زمانهم وليس مثل الأجداد ما قبل آلاف السنين.