فارس حامد عبد الكريم
تتعدد الأغراض من الشكليات في القانون، فقد يكون غرضها الإشهار بسلامة الإرادة التشريعية حسب الأوضاع الدستورية، باعتبار ان الشكل هو المظهر المادي للتعبير عن الإرادة، ولكل شكل مطلوب حكمته، فحكمة اشتراط أن يقدم اقتراح القانون من قبل عدد من النواب، تبدو في التأكد من جدية المقترح قبل اتخاذ سلسلة اجراءات والتصويت عليه، ثم يتبين ان الاقتراح غير مرغوب فيه فيهدر وقت ثمين.
وتبدو حكمة تقديم مشاريع القوانين من قبل السلطة التنفيذية هو أن القانون أداة هذه السلطة في علاقتها مع المجتمع، وهي الأعرف بالحاجة إلى التشريع في مجال معين من عدمه.
وقد تبدو الشكلية مظهرا من مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، كما في وجوب تصديق واصدار القانون من السلطة التنفيذية لنفاذه ونشره في الجريدة الرسمية، ما يتيح لها الاعتراض على مشروع القانون بعدم المصادقة عليه، مما يرتب عدم امكانية سنه ونفاذه بعد ذلك الا بناءا على اغلبية خاصة كما في بعض الدساتير. إلا أن الدستور العراقي خرج على هذه القاعدة، مما تسبب بمشكلات جمة! وحكمة ضرورة ادراج الاعمال التشريعية في جدول للاعمال قبل مناقشتها هو تجنب اتخاذ اعمال تشريعية جوهرية في غياب عدد مؤثر من النواب، بحيث لو كان لديهم علم مسبق بجدول الاعمال لحضروا جميعا.
وقد وجدت الشكلية في الشرائع القانونية القديمة وما زالت موجودة في احدثها، والشكلية البدائية هي شكلية رمزية تنطوي على القيام بحركات خاصة، أو التفوه بعبارات محددة يتوقف عليها تحقق الآثر القانوني، ويرى مؤرخو القانون أن هذه الشكلية كانت تعبر عن رغبة عند الانسان القديم في اشباع غريزة حب المظاهر الخارجية البراقة، التي كانت بما تضفيه من رونق وبهاء على حياته، تقيم الحساسية مقام عقلية كانت لاتزال قاصرة. وتختلف الشكلية الحديثة عن القديمة في انها معقولة ومنطقية ومرنة، وأنها لا تكفي لوحدها لترتيب الاثر القانوني، بل يجب أن تقترن بالارادة السليمة غير المشوبة بعيب من عيوب الرضا، فالارادة هي التي يقع عليها الشكل، ولم تعد الشكليات الحديثة مجرد طقوس تمارس ممارسة عمياء، بعد أن تمكنت البشرية في تطورات لاحقة من التمييز بين مضارها ومنافعها، وعرفوا ما يترتب عليها من تعقيدات وجهد ضائع، وما لها من فضل في ايقاظ الانتباه والتحذير من الفخاخ التي تنصب للإرادة، وبث اليقين في انتاج الواقعة اثارها المطلوبة. وكان للفقه والقضاء الفضل في التمييز، بين ماهو مفيد وجوهري وبين ما هو ضار وغير جوهري من الشكليات.
والغرض هو ترتيب البطلان على القرارات التي تفتقد لشكلياتها الجوهرية، اما القرارات التي تفتقد للشكليات غير الجوهرية فلا تكون باطلة، وقد أورد الفقه امثلة كثيرة من قضاء مجلس الدولة الفرنسي على الشكليات، التي لم يعتبرها المجلس من الشكليات الجوهرية المؤثرة في سلامة القرار، مثل الحكم بصحة انتخاب على الرغم من عدم السماح لعدد قليل من الافراد بالتصويت اذا كان عددهم من القلة، بحيث لم يكن من شأنه أن يؤثر في النتيجة النهائية، أو اذا كانت الاشكال والاجراءات المقررة هدفها تحقيق مصلحة الادارة لا الافراد.
وعموماً لا يوجد معيار ثابت لتحديد ماهو جوهري أو غير جوهري من الاشكال، وانما يعتمد تقدير ذلك على الذكاء والحدس والفهم الصحيح لطبيعة الاشياء ومنطقها والغايات المرجوة منها، ولا شك أن التشدد الزائد في مراعاة مختلف الشكليات والاجراءات على نحو واحد، يؤدي بالنتيجة إلى ضياع الوقت وعرقلة النشاط التشريعي، دون أن تكون هناك قيمة حقيقية لها مقابل ذلك، والملاحظ أن قواعد الشكل والاجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد يرد النص عليها في الدستور ذاته، كما أنها قد ترد في الانظمة الداخلية للبرلمان. والاتجاه الاقوى يذهب بأن عيب عدم الدستورية لمخالفة الشكل، لا يتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في الدستور ذاته.
والحال أن دستور جمهورية العراق قد تضمن أشكالا متنوعة من الاجراءات الشكلية، منها ما يتعلق بتحديد زمن معين للقيام بتصرف ما. والمحكمة الاتحادية العليا بطبيعة الحال لا تبحث في العيوب الموضوعية، الا بعد ان تتأكد من خلو التشريع من المخالفات الشكلية الجوهرية للاوضاع، التي تطلبها الدستور، ذلك ان العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعية.
وفي هذا الصدد تقول المحكمة الاتحادية العليا في مصر، وحيث إن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلى قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون عليها وسبيلها، إلى ذلك أن تفصل بأحكامها النهائية في الطعون الموجهة اليها شكلية كانت أو موضوعية، وأن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية أمرا سابقا بالضرورة على خوضها في العيوب الموضوعية، إذ لو قام لديها الدليل على تخلفها لسقط هذا القرار بقانون برمته ولامتنع الخوض في اتفاق بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور الموضوعية، الأمر الذي يعتبر معه هذا الوجه من النعي على غير أساس حريا بالالتفات عنه.
النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية.