الذكاء الاصطناعي.. المحطة التالية على طريق الحضارة الإنسانية

آراء 2023/06/03
...

 د. ميثم كاظم


مر تاريخ الإنسانية بمحطاتٍ كثيرة مهمة ومؤثرة، منها اختراع العجلة والكتابة والطباعة. ومع اكتشاف المحرك البخاري في القرن الثامن عشر، بدأت ثورة صناعية ضخمة تغيرت من خلالها طرق الإنتاج والنقل والحياة اليومية للناس. وفي القرن التاسع عشر، جاءت ثورة الاتصالات والمعلومات بفضل اختراع التلغراف والهاتف والراديو والتلفزيون وتطور وسائل الاتصال وصولا إلى الهاتف النقال والانترنت. ومع ثورة العصر الرقمي، ظهرت ثورة السوشيال ميديا، حيث تمتد شبكات التواصل الاجتماعي عبر العالم، وأصبح بإمكان الناس التواصل ومشاركة المعلومات والأفكار بسرعة وسهولة فائقتين. كل أمة تكاسلت أو غفلت عن اللحاق بقطار الحضارة عند تلك المحطات المهمة، كان مصير شعوبها أن تعاني من الفقر والجوع والتخلف والهزيمة، فمثلا الدولة العثمانية لم تهتم بالاستكشافات البحرية والبعثات العلمية إلا في وقت متاخر، وسبقتها البرتغال واسبانيا وبريطانيا وفرنسا إلى اكتشاف القارتين الأمريكيتين وأستراليا، وتغير ميزان القوة في العالم لصالح أوروبا والعالم الغربي، الطباعة كانت نقطة تحول في تاريخ البشرية. فقد أحدثت ثورة في طريقة نشر المعلومات، ما أدت إلى تغييرات اجتماعية وثقافية وفكرية هائلة. بفضل المطبعة، التي طورها يوهانس جوتنبرج حوالي عام 1440 في مدينة ماينز 

بألمانيا. «اصدر السلطان العثماني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، إلا أنه سمح لليهود والمسيحيين إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية، شريطة عدم استعمال الحروف العربية. وأصدر علماء الأزهر فتوى بتحريم طباعة الكتب كونها تحرف العلوم.

وهنا مرة اخرى السلاطين العثمانيون منعوا الطباعة لمدة تزيد عن 200 سنة، إذ رؤوا فيها أداة قد تهدد سلطانهم وتؤثر في القوة والسيطرة، التي يحظون بها. وهذا التأخر في استيعاب الطباعة أدى إلى تأثر الشعوب العثمانية بالتخلف في النشر والتواصل، في حين استفادت الدول الأخرى من الطباعة وتطورت بفضلها. نتعلم من هذه الدروس التاريخية أهمية الاستجابة للتقدم التكنولوجي والعلمي. وإن عدم ركوب قطار الحضارة يعني التأخر والتخلف، ويجب أن نعمل على تجاوز التحديات والتعاون مع بقية الأمم لتحقيق التقدم والازدهار في العالم الحديث، وها نحن اليوم، نشهد ظهور مرحلة جديدة تضع الذكاء الاصطناعي كمحطةٍ رئيسة على طريق الحضارة الإنسانية. فالذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانيات هائلة، لتحسين حياتنا وتسهيلها في مختلف المجالات، بدءًا من الطب والصناعة وحتى النقل والتواصل وغيرها.

ويجب أن نتعامل مع التحديات المرتبطة بثورة الذكاء الاصطناعي بحكمة ووعي. ينبغي أن نضع القواعد والقوانين المناسبة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، ونحمي خصوصيتنا ونضمن سلامتنا من المخاطر المحتملة.

إن الوقت قد حان لنكون فاعلين ومشاركين في هذا التقدم التكنولوجي. يتطلب ذلك استثمارًا في البحث والتطوير، ودعم رواد الأعمال والمبتكرين في مجال الذكاء الاصطناعي. وعلينا توفير التعليم والتدريب الملائم لتأهيل الكوادر البشرية، لكي تستطيع استيعاب وتطبيق هذه التقنية بفاعلية ومسؤولية.

فلنستعد لاستقبال محطة الذكاء الاصطناعي على طريق قطار الحضارة الإنسانية، ولنتأكد أننا سنكون في الصفوف الأمامية لهذا التقدم المهم، ولنترك بصمة إيجابية في مستقبل البشرية.