رزاق عداي
تميل الاحزاب الاسلاموية العربية إلى الاعتقاد بان نجاح - حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه (اردوغان) ذو صلة مباشرة، بكون مؤسسيه آتين هم أنفسهم من الحركة الاسلامية، وهذا التصور السحري يهمل حقائق اجتماعية -اقتصادية اهم بكثير من الاهواء الدينية للحزب التركي.
حزب العدالة والتنمية هو نتاج التحول النيوليبرالي لتركيا، الذي بدأ في ظل حكم (توركوت أوزال) رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية، خلال ثمانينيات القرن العشرين، وقد تمثلت إحدى النتائج الرئيسة لهذه الفترة في اثراء البرجوازية المتوسطة (الشركات المتوسطة والصغيرة)، وتشكيل تنظيمات رجال الاعمال والصناعيين التي انشئت سنة 1990، لهذا يكون حزب العدالة والتنمية ممثلا واقعياً لحزب الوطن الأم لاوزال منه إلى التراث الاسلامي القريب إلى الاخوان المسلمين، الذي مثلة في تركيا انذاك - (نجم الدين اربكان)، والذي كان مؤسسو حزب العدالة والتنمية قد انشقوا عن حزبه - حزب الفضيلة - والذي كان يسعى إلى تطبيق الشريعة في الحكم، وأخفق تماما أن يحقق اي نتائح، وقد فهم اردوغان والمؤسسون الجدد هذه الحقائق وافلحوا في تحقيق تلاقٍ في القمة بين الرأسمالية التركية المحيطية الجديدة وبين أغلبية الرأسمال التركي الكبير في اطار مصالح مشتركة تجمع بين النيوليبرالية والتوجه الأوروبي، مع الاحتفاظ بشعبوية مدافعة عن التقاليد، وهذا وفر لهم فائضا من السيطرة على السلطات، خصوصا السيطرة العسكرية، وكانت هذه السيطرة قد أرسيت في تركيا منذ عقود في رد فعل ازاء انعدام الاستقرار الاجتماعي - السياسي واذا تمكن حزب العدالة من لعب هذا الدور، فإن ثمن ذلك كان تحولا أيديولوجياً، لقد تبنى مؤسسوه الاصلاحيون، وهم ينشقون عن اربكان، مبدأ الفصل بين الدين والدولة، كي يحققوا صيغة اسلامية مشابهة للديمقراطية المسيحية الأوروبية، والحال أن حزب العدالة والتنمية ينتمي إلى الحزب الشعبي الأوروبي، الذي هو نتاج للاحزاب الديمقراطية في القارة الاوربية.
الخلاصة إن الشعبية التي يتمتع بها (اردوغان) لم تكن نتيجة دوغما عقائدية خرافية، انما هي نتائج ملموسة مست حياة الشعب التركي، تمثلت في معدلات متزايدة من النمو الاقتصادي وزيادة كبيرة في الدخل الكلي للاقتصاد التركي، ومضاعفة للدخل الفردي حققت رفاهية وقوة عامتين، وربما هذا هو السر الذي سمح لاردوغان للاستمرار في الحكم والذي سيتجاوز الربع قرن.