زهير كاظم عبود
خطوات إيجابية حققها الدستور العراقي، حين اكد في نصوصه الحقوق والمساواة، وثمة مبادئ قانونية راسخة تؤكد المسؤولية عن الأعمال غير المشروعة التي تقع على النفس أو المال، كما أن كلَّ تعدٍ يصيب الغير باي ضرر يستوجب التعويض.
وقائمة المتضررين من النظام المباد طويلة، ولم تستثن أحدا، وشرعت الهيئة التشريعية قوانين تعيد بعض الحقوق لتلك الفئات المتضررة من النظام السابق، إلا أن حالة غريبة لم نجد لها أسبابا موجبة أو مقبولة تكمن في تجاهل حقوق الفيليين، وتجاوز محنتهم وما مروا به من مصائب وأهوال قد لا نبالغ إن قلنا إنه لم يتحمل مثلها أحد في العراق، وبصرف النظر عن جريمة الإبادة الجماعية التي طالتهم، والتي اكدتها المحكمة الجنائية العراقية العليا في قرار الحكم البات في قضية الفيليين التي عرضت أمامها، والتي زاد من التأكيد عليها مجلس النواب العراقي بتشريع واضح وصريح، من أن ما جرى عليهم يقع ضمن جريمة الإبادة الجماعية، إلا أن جريمة أخرى لم يتطرق لها النص القانوني في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، يتمثل في جريمة تجريدهم من الجنسية العراقية، ونزعها عنهم وبقاء أبناء الفيليين دون جنسية طيلة فترة تهجيرهم وتسفيرهم، وهي حالة قد تكون فريدة في التاريخ الحديث، لأنها طالت جزءا كبيرا من أبناء الشعب العراقي، واللافت للنظر أن المنظمة الدولية، لم تلتفت إلى هذا الجانب من المحنة الإنسانية، التي عانى منها الفيليون دون غيرهم، فقد نزعت عنهم الجنسية العراقية ومواطنتهم بزعم انهم مواطنين إيرانيين، في حين اعتبرتهم الجارة ايران عربا عراقيين، والجنسية توفر الأساس القانوني للحماية القانونية للمواطن، وقضية تجريد المواطن من جنسيته التي تشكل رمزيا لمواطنته، تم تطبيقها بشكل محدد ولأسباب خاصة ضد بعض المواطنين، إلا أن الأمر يأخذ شكلًا وبعدًا آخر، حين تكون الضحية مجموعة بشرية تتمتع بكامل الحقوق والواجبات على الأرض العراقية، وهي كما ذكرنا سابقة تاريخية قيدت في تاريخ العراقي السياسي الحديث، لتشكل صفحة سوداء كالحة من صفحات النظام المباد.
الإعلان العالمي لحقوق الانسان عرف الإبادة الجماعية ضمن فقرات خمس، تضمنها النص المذكور، وما وقع على الفيليين زاد على هذه الفقرات بتجريدهم من مستمسكاتهم الرسمية، وبقاء اغلبهم دون جنسية، وازداد الامر سوءا حين تم سلب ممتلكاتهم واموالهم المنقولة منها أو غير المنقولة، وتمَّ التصرف بهذه الأموال لصالح الحكومة العراقية واجهزتها الأمنية والاستخبارية، وقرار المحكمة الجنائية العراقية العليا والمعزز بقرار مجلس النواب العراقي لم يتم ترجمتهم إلى واقع ملموس بأي شكل كان، ولم تلتفت الضمائر المعنية بالحقوق إلى الأبعاد النفسية، التي تحملها جيل من أبناء الفيليين نتيجة تلك الجرائم، ولا حجم وفداحة الخسائر المعنوية، التي سببها اغتصاب أموالهم والاستيلاء عليها قسرا، وتقييد ايرادها إلى خزينة الحكومة العراقية.
ثمة مأساة ومعاناة أخرى لم يتطرق لها قرار المحكمة، ولا التحقيقات السريعة التي جرت في قضيتهم، فلم يتعرف أحد على أماكن قبور شبابهم ممن تم دفنه حيا أو تم إعدامه دون سبب، ومن تم اخضاعه للتجارب الكيمياوية، فقضى نتيجة ذلك الامر، ولم نتعرف على الأدوات والأزلام والتوابع، الذين مارسوا أبشع الجرائم ضدهم حيث حصرهم قرار الحكم بعدد لا يتجاوز أصابع اليدين.
والحقيقة أن الجميع يتفق مع منح الفيليين حقوقهم، وتم توجيه من عاد منهم إلى العراق لمراجعة المحاكم أو دائرة نزاعات الملكية للوصول إلى استعادة حقوقه المسلوبة، لكن الدولة غضت النظر عن قضية توظيف تلك الأموال واستغلالها لصالح الحكومة، وأيضا تم تجاوز محنة الأمهات والأطفال النفسية من الذين فقدوا احبتهم، والأكثر غرابة في الأمر أن قسمًا من أبناء الفيليين، لم يزل يرزح تحت حياة المخيمات (مخيم أورديكا ازنا ومخيم جهرم)، لا يملكون المستمسكات القانونية التي تعيدهم لوطنهم، وأيضا لا يجدون لهم مأوى أو موردا للعيش الكريم، حين يقررون عودتهم إلى العراق، فباتوا ينهون حياتهم ضمن هذه الخيام في ايران، التي ابقتهم دون جنسية حتى اليوم وتكاثرت قبورهم ضمن تلك المناطق.
وإذا قلنا إن لا خلاف على منحهم ما يستحقون من الحقوق، واعتبار من سلبت جنسيته أو حقوقه بمثابة السجين السياسي المشمول بقانون السجناء السياسيين، واذا اتفقنا أن تلك الأموال المنقولة أو غير المنقولة التي اعيدت لهم أو تم تعويضهم عنها، تم حجب ما غنمته الدولة وما استفادت منه من عمليات استغلاله أو بيعه ومصادرته، فلا يحتاج الامر إلى دراسات أو مؤتمرات بقدر ما يحتاج إلى إضافة نص قانوني يمنحهم تلك الحقوق ضمن قانون السجناء السياسيين النافذ.
لم يجد الفيليون طيلة هذه الفترة التي مرت على السلطة الجديدة، أي بارقة امل تجعل من المعنيين وأصحاب الضائر الحية أن تلتفت إلى هذه الشريحة النقية المعطاء، والتي ما بخلت على العراق في منحها الشهداء والدماء والعطاء ومساندة فعالة لكل أحزاب المعارضة العراقية ضد نظام صدام، والتي حلت اغلبها اليوم على سدة السلطة في العراق أو في إقليم كردستان العراق، متى سيتم الالتفات إلى انصاف الفيليين؟.