علم النفس وفلسفة الضريبة

آراء 2023/06/05
...








 طالب سعدون

 تقوم فلسفة الضريبة  على ( قاعدة ) ثابتة  لخصها المتخصصون بركنين أساسيين،  يضمنان تحقيق الهدف الاقتصادي والاجتماعي في الضريبة هما (القبول والفائدة)..أي قناعة الدافع باهميتها في دعم موارد الدولة لتنفيذ التزاماتها والانفاق على ما تقدمه من خدمات  للمواطن في مختلف المجالات.

 أخذت الضريبة  تسميات مختلفة عبر العصور، حسب أهدافها، وأصبح لها مردود نفعي على المواطن، مقابل خدمات معينة، ومنها الخدمات البلدية على سبيل المثال، كما هي الرسوم التي تفرض على المركبات واجازات المرور والغرامات  لتنظيم الشوارع وتأثيثها، واذا لم يتحقق ذلك تكون  تجاوزا على المواطن.

وقس على ذلك الرسوم والضرائب الاخرى، التي ترجع  إليه مرة أخرى بصيغة خدمات قطاعية مختلفة.

 وفي (الضريبة)، يجب أن يتحقق مبدأ مهم، وهو المساواة  بين (المكلفين) بدفعها، والعدالة في توزيع الأعباء وألا  تكون لها انعكاسات سلبية على الأسعار مثلا وسلة غذاء المواطن، أو مستوى الخدمات وطبيعتها، وفرص العمل بالتأثير على المعامل، وجودة المنتج، وحركة السوق العامة، وغيرها من الحالات التي غالبا ما يلجأ اليها بعض المكلفين لتعويض قيمتها من المستهلك، وبالتالي تكون عبئا على المواطن  وخاصة البسيط (الفقير)، ومحدود الدخل.

إن فرض ضرائب عالية له تأثير سلبي على حافز العمل، وتدفع  الانسان  إلى الا عمال الطفيفة، ولذلك أكد ابن خلدون وهو (ابن القرن الرابع وليس اليوم) ضرورة خفض الضرائب، لان رفعها يرهق الناس ويساهم في الانكماش الاقتصادي وضعف الانتاج وبالنهاية تراجع دوران الحضارة والرفاهية.   

 وعلى هذا الاساس يخضع فرض الضرائب إلى دراسة دقيقة فتُفرض، أو تُلغى أو تُعدل بقانون، وتخضع للرقابة الشعبية من خلال المجالس النيابية التي تمارس واجباتها في مراقبة انفاق السلطات التنفيذية لما يرد اليها من موارد من بينها الضرائب..

 إن هدف الضريبة ليس زيادة ايرادات الدولة فقط على اهميتها، بل يجب أن يقابلها ارتفاع في مستوى الخدمات ومستوى المعيشة، وانخفاض في مستوى الفقر،  وارتفاع حركة البناء والاعمار، كما تؤثر في علاقات الدولة بالخارج لتوفير فرص استثمار وعمل وانتاج يدعم اقتصاد البلاد.

إن تحقيق تلك الاهداف يفرض على  الدولة أن تحقق التوازن بين حاجتها إلى الاموال، ومصلحة المواطن وقناعته ومصلحة البلاد عموما، واذا ما خرجت الضريبة عن  ذلك  أو صرفت في غير اهدافها، أو أخفقت الدولة في توفير الخدمات  المطلوبة، بكل أنواعها ودعم الانتاج الوطني وحمايته من المنافسة الاجنبية، وجلب الاستثمارات المختلفة الداخلية والخارجية.. إلخ تتعرض إلى  المساءلة القانونية من المواطن نفسه، أو من خلال ممثليه.

ما أسهل أن تفرض الدولة الضرائب  لتحقق عوائد مالية  في موازناتها السنوية، ولكن ما أصعب النتائج عندما لا يقتنع المواطن بها ولا تحقق الفائدة منها، وعندها تكون قد خرجت عن مضمونها الاجتماعي وهدفها الاقتصادي.

 فالمواطن في الدول المتقدمة والديمقراطية يدفع الضريبة برحابة صدر،عندما يرى شيئا يناسبها في الشارع.. طرقا ومساكن وتعليما وخدمة صحية عالية ومستوى معيشة وأمن  مناسبين .. واذا لم يحصل ذلك يعترض عليها بمختلف الوسائل الديمقراطية، وهو حق من حقوقه الانسانية.

 يجب أن يقتنع دافع الضريبة بأن ما يخرج من (جيبه)، يعود اليه مرة أخرى بصيغة خدمات متنوعة، وبخلافه  تكون الدولة قد تجاوزت على المواطن، ومدت يدها إلى (جيبه) على حد تعبير احد المتخصصين، دون تعويض مناسب، وعندها سيسعى بمختلف الطرق للتهرب منها، أو تكون بابا للفساد، وستترتب عليها  انعكاسات (نفسية سلبية)، ولذلك ظهر ما يسمى (بعلم النفس الاجتماعي للضريبة)، ويتناول حالة المواطن النفسية عندما يشعر أن الضريبة  ليست في صالحه، أو تجاوز عليه وعلى اسرته، فيتهرب منها بمختلف الوسائل، ومنها الهجرة والبحث عن بيئة اخرى في الخارج  للاستثمار، ما يؤدي إلى تفريغ البلدان من رجال المال والأموال معا.

إن توفر الشرطين (القبول والفائدة)، يضمن عودة ما يدفعه المواطن اليه مرة اخرى، ويصبح ما يدفعه (مساهمة) أو (مشاركة مجتمعية)  طوعية، وإن فرضت بقانون وليس (ضريبة).