سعد الراوي
نزاهة الانتخابات لها ضوابط وآليات ومنظومة انتخابية كاملة واضحة ومفصلة، وإدارة مقبولة من كل شركاء العملية السياسية، ووجود تعاون بينهم لإنجاح أي انتخابات محلية أو برلمانية. الخ، مؤلم أننا نفتقر لمعظمها وحتى المراقبة شبه مفقودة، وكثير من شركاء العملية السياسية يتصورون بأن المراقبة في يوم الاقتراع. لذا فالمخاوف موجودة ولا نرى أي حراك لمعالجتها، والاهتمام منصب على تحديد موعد الانتخابات، وأوجز هذه المخاوف بالنقاط الآتية:
1 - كل من اشتكى من نتائج الانتخابات السابقة وطعن فيها من الائتلافات والأحزاب والمرشحين، لم نجد لهم تقريرا مفصلا مهنيا حول الإشكالات، وسبب طعنهم وأين مكامن الخلل وما هي المعالجات.. الخ، لن يكتبوا ولم يتابعوا ما كتبه غيرهم، سواءً مختصين أو من منظمات دولية كالاتحاد الأوروبي، فقد ادلى بتقرير مفصل لم يقرأه المعترضون، ولم تأخذ به أي جهة من شركاء العملية السياسية.
2 - القانون الانتخابي ينتابه الكثير من الغموض فهو لا يتجاوز 20 صفحة، بينما القوانين الانتخابية للدول الديمقراطية يتجاوز مئات الصفحات كل شيء مفصل والجهة المنفذة تطبق القانون بكل حيادية ووضوح. لا يزال وجود أشخاص وأحزاب فوق القانون وخارج المساءلة، وهذه المعضلة تتفاقم عند وجود قوانين مبهمة وغير واضحة في العملية الانتخابية. وأي غموض سوف يفسّر لصالح الفاعل السياسي.
3 - وجود فجوة كبيرة بين شركاء العملية السياسية الرئيسيين {السلطات الثلاث/ مفوضية الانتخابات/ الأحزاب السياسية/ المنظمات المحلية والدولية المهتمة والداعمة للعملية السياسية}، فالقانون الأخير تم تشريعه بمعزل عن هؤلاء، خصوصاً الجهة المنفذة للقانون مفوضية الانتخابات. فهناك أمور كثيرة لا تعد، تحتاج لطرح جريء ونقد بنّاء، يتقبله الآخرون لمعالجة الإشكالات الفنية والقانونية.
4 - الانتخابات الأخيرة كادت تنهي العملية السياسية برمتها، بسبب استخدام الأجهزة الالكترونية في العد والفرز، وإعلان ونقل النتائج عبر الأقمار الصناعية، وهذه الفقرة تعد الإشكال الأهم التي قد تعيد المشهد وقد لا نجد له حلا، أو أن تتفق الكتل السياسية الفاعلة في المشهد العراقي بينها، دون مراعات لأي معترض أو لأي معيار دولي لنزاهة الانتخابات.
5 - الفصل الخاص بالدعاية الانتخابية لا وجود لعقاب يردع المخالف، لأن المواد تبدأ ب {(على الأحزاب السياسية والقوائم إزالة الدعاية الانتخابية بموجب تعليمات تصدرها المفوضية) مادة أخرى (يمنع استغلال أبنية الدولة وأماكن العبادة كأنشطة انتخابية للكيانات والمرشحين). مادة (يحظر استعمال شعار الدولة.. الخ). مادة (لا يجوز لموظفي الدولة والسلطات المحلية استعمال نفوذهم الوظيفي أو موارد الدولة أو أجهزتها لصالح أنفسهم أو أي مرشح، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية بالدعاية الانتخابية والتأثير على الناخبين).
مادة (يحظر ممارسة أي شكل من أشكال الضغط أو الإكراه أو منح مكاسب معنوية أو مادية أو الوعد بها يقصد التأثير على الانتخابات). مادة (يحظر الانفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام أو موازنة الوزارات أو أموال الوقف، أو من أموال العالم الخارجي). مادة أخرى أولاً وثانياً وثالثاً كلها لا يجوز.. لا يجوز.. الخ.} كل هذه المواد مهمة، لكن هل كلمة يمنع أو لا يجوز أو يحظر.. الخ، تكفي للردع، المفروض هناك تفصيل دقيق لكل مادة وايضاح طريقة المتابعة، وكيف تتم الشكوى وما هي عقوبة المخالف إذا استغل مؤسسات وأموال الدولة أو إذا موّل حملته من موازنة الوزارات أو من الخارج!، نحتاج إعادة مراجعة وتعديل كل فقرا الدعاية الانتخابية.
6 - سجل الناخبين هو العمود الفقري لأي انتخابات حرة نزيهة، فكيف أتوقع نزاهة الانتخابات، وهناك ما يقارب 7 - ملايين ناخب، أي بحدود 40 % من مجموع الناخبين سيحرمون من التصويت مسبقاً، لعدم امتلاكهم بطاقة بايومترية، التي ألزم القانون الجديد التصويت فيها حصراً، وإغفال أو صمت الأحزاب الجديدة والمنظمات الدولية عن هذا الأمر يعد تكريسا لعدم نزاهة العملية الانتخابية.
8 - موضوع كركوك مهم جداً، ولا يمكن قيام انتخابات حرة نزيهة، عندما تتطلب فقرات في القانون تشكيل لجنة لتدقيق سجل الناخبين بعد الانتخابات، هذا إقرار بأن السجل غير موثوق فيه، إذن كيف أجري انتخابات والمشرّع لا يثق بالسجل الانتخابي. وهذا سيؤدي إلى تعقيد المشكلة بين مكونات كركوك، فقد يكون هناك إضافة أو حذف لمئة ألف ناخب، فمن أين يحذف أو يضاف هذا المقعد من الأكراد أم العرب أم التركمان؟.
9 - هناك أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة أو مليشيات، وهذا مخالف لنصوص وفقرات قانون الأحزاب النافذ، ولا نعرف المشهد القادم في حال تنافس مرشحي هذه الأحزاب مع مرشحي أحزاب لا تمتلك سلاحا في الدائرة الانتخابية نفسها، وقد يحتدم في مناطق ومراكز معينة.
10 - في كل الدول الديمقراطية هناك توقيتات دستورية قانونية يقف أمامها الجميع، سواءً مسؤولين أو أحزابا أو مرشحين أو مؤسسات.. إلخ، مؤلم أن نجدها مفقودة في منظومتنا الانتخابية وثقافتنا السياسية، والأمثلة لا حصر لها، فإلى الآن لا نعرف أي موعد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، التي غيبت منذ سنين، ومثال آخر قوائم المرشحين قد يصادق عليها مجلس المفوضين، ونفاجأ قبل الانتخابات بيومين أو ثلاثة بأن فلانا مشمول بالمساءلة والعدالة، أو قد يفوز نائب وبعد أشهر يظهر لنا بأن شهادته الجامعية مزورة.. الخ.
11 - الكل مسؤول وكل من موقعه، فنزاهة الانتخابات مسؤولية تضامنية تفصلها قوانين المنظومة الانتخابية، وبكل صراحة لا توجد هذه الرؤية، خصوصاً عند فقدان التعاون والثقة بين شركاء العملية السياسية، وحتى الجهور لهم دور لكنه مغيب.