سامر المشعل
المطرب الريفي الرائد شهيد كريم من الأصوات الغنائية الشجية، التي امتازت بقوة الصوت وعذوبته ومساحته الواسعة، التي مكنته من أداء العديد من الألوان الغنائية والأطوار الريفية، مثل السويحلي والعتابة واجادته لطور الشطراوي والغافلي والملائي والعنيسي واللامي والحياوي.. وغيرها. شهيد كريم، حقيقة فنان منسي لم تتذكره اية وسيلة اعلام قط، وعندما بحثت عنه في الغوغل لم اجد اي موضوع نشر عن فنه من صحفي أو فنان، ولم أجد له حتى صورة مناسبة تصلح للنشر. على الرغم من أنه فنان كبير له منجز ابداعي قيم، فهو شاعر وملحن ومطرب ريفي اصيل اثر وتأثر بجيل الرواد من العمالقة امثال حضيري ابو عزيز وداخل حسن وسواهم.
قدم الفنان شهيد كريم مجموعة من الأغاني الريفية الجميلة ومنها:" هله يمه ويا يوم، ياعيني الاسمر، احبابي نسوني، درب الغرام، كل البنات نجوم، بلوه بلتني، قلبي بغيابك.. وغيرها.
ولد المطرب شهيد كريم في محافظة واسط في قرية " أم حلانة " في العام 1924.
سحرته الأصوات الريفية منذ طفولته، فكان يستمع لأخبار المطربين وأخبار الحفلات، التي تقام في الريف، وقد تأثر بالفنان حضيري أبو عزيز وخضير حسن ناصرية وعلي حسين حاج مهدي، وعندما استقامت موهبته راح يغني في الأعراس وتعلم طور الحياوي والغافلي، نسبة إلى بيت غافل في منطقة الحي.
استقر شهيد كريم في بغداد مطلع عقد الخمسينيات من القرن الماضي، واخذ يتردد على مقهى ناصر حكيم، وفي المقهى تعرف على عدد كبير من مشاهير الطرب، أمثال داخل حسن وناصر حكيم وجواد وادي وغيرهم.
دخل الإذاعة العام 1949، فسجل اول أغنية له "بو جناغ يابو جناغ"، وهي من الأغاني الشائعة، ثم بعدها غنى " يامحلى شكل الأوراد، الأسمر زعل، چاليش لو حبينه، وأغنية الهجع التي أخذها من المطرب " زعيبل " من منطقة الرفاعي.
قام المطرب شهيد كريم بالعديد من السفرات الى دول الخليج العربي، وقدم هناك حفلات كثيرة كما سافر الى القاهرة، والتقى الفنان العراقي حقي الشبلي الذي اشركه معه في فيلم ( القاهرة - بغداد ) ومن اغانيه المشهورة عالياني الياني – التي اعجب بها حضير ي ابو عزيز، وغنى على غرارها اغنية –عيني يالأ سمر مالك – ثم غنى أحا ولك دلالي – والتي غناها المطرب داخل حسن، وقد ترك لنا المطرب شهيد كريم مكتبة صوتية ومسيرة عذبة .
واحتفظ الفنان الراحل شهيد كريم بحلاوة صوته حتى آخر ايامه حيث توفي العام 1988.
ويذكر الفنان فاضل عواد عن طيبة قلب الفنان شهيد كريم ونقاء سريرته ونزعته الانسانية، إنه كان يتردد دوما على أشهر مقاهي الصالحية مقهى ابو عروبة ومقهى ابو ناطق القريبة من مبنى الإذاعة والتلفزيون، وكانت هنالك بيوت شعبية كثيرة، وكان الكثير من الاطفال يلعبون في ازقتها، رأى عيون أحد الاطفال متورمة، ولا يكاد يرى لقوة الاصابة ولا يستطيع الركض واللعب مع أقرانه لضعف نظره، فعلم الفنان شهيد كريم، أن عائلة الطفل، أما أن تكون أمية جاهلة، أو أنها لا تملك ثمن الدواء وكشفية الطبيب، ولم يكن شهيد كريم يملك غير ستة دنانير لا غير، فاحتضن الطفل حاملا أياه
إلى أقرب طبيب عيون وما أن شاهده الطبيب، حتى ارتج لهول الاصابة وقال لشهيد "انت اشلون تترك ابنك يوصل للعمى دون ان تعرضه على طبيب"، فابتسم شهيد قائلا له "دكتور هذا مو ابني، لكن شفته "بالدربونة" وأهله فقراء فاتيت به اعالجه لوجه الله تعالى".
فقال لشهيد ان شاء الله اهتم به واصف له أفضل الادوية واسرعها شفاء.
فكتب له الدواء لشرائه من صيدلية سامي الحكيم بالصالحية، وأوصى أهله أن يهتموا به ويحافظوا على أوقات إعطاء الدواء، وتنظيف عينيه دوما ويترك اللعب بالشارع، حتى يشفيه الله تعالى، فشكروه على ما قام به من فعل جميل وبقي الفنان شهيد يتفقد الطفل وعائلته، حتى شافاه الله ورد اليه بصره وانفق كل ما لديه من دنانير قليلة. ويواصل الفنان فاضل عواد حديث الذكريات مع الفنان شهيد كريم قائلا " كان الفنان شهيد كريم يعاني كل شهر كيف يجد المال للمستأجر، بسبب قلة الحفلات آنذاك، فسألته اذ كيف تخلصت من هذه المحنة ؟.. فقال لي، والحديث للفنان شهيد كريم:" ابو العباس ضامني الضيم وكثرت حسراتي او ما عندي غير الله واذ بي افز بفكرة جاءتني ان اذهب الى اذاعة قصر شيرين الايرانية الناطقة باللغة العربية الواقعة على الحدود العراقية - الايرانية وهي تعرف وترحب بكل المطربين العراقيين واستلفت مبلغا من المال وركبت سيارة اجرة، وما أن وصلت حتى رحبوا بي ترحابا سرني وعرفت أنهم سيسجلون لي اغنياتي، التي أحفظها وقالوا تفضل هذه الفرقة الموسيقية حفظهم أغنياتك ونحن سوف نسجلها لك.. وفعلا سجلت كل اغنياتي واعطوني اجرتي بالتومان الايراني حسب اللائحة المالية عندهم وكان الله معي يا " ابو العباس" ثم قالوا لي هل تعرف تقرأ حسينيات؟
قلت لهم نعم نحن في كل شهر محرم نقرأ بالمواكب الحسينية ورزقنا عليها.. فقالوا استعد لقراءة كل ما عندك من حسينيات.
ويواصل الفنان شهيد كريم حديثه إلى الفنان فاضل عواد، الذي كان يلقب بـ "ابو العباس"... "صارت عندي همة قوية واختاريت اكثر المقامات الحزينة وقرأتها من كل قلبي، وما أن انتهيت حتى دمعت عيونهم، وقالوا كل ما نعطيك هو قليل بحق سيدنا الحسين (عليه السلام) ورموا أمامي شدات شدات من التومانات وخفت لتصير بي جلطة من الفرح، ووضعوا النقود بكيس كبير وهيؤوا لي سيارة اجرة توصلني الى بغداد وما أن وصلت، حتى اشتريت ببركة الامام الحسين (عليه السلام)، البيت أسكن به الان.. ابو العباس الدنيا دوارة والذي يحب الله، الله يحبه وهنيئا لفاعل الخير فقلت: وأنت منهم أخي العزيز طببت الطفل ورجعت له نظره وانت ما عندك غير ستة دنانير، لكن الله عوضك.. فضحك وقال: صحيح أبو العباس وافترقنا على أمل اللقاء.
هذه إحدى الحكايات التي تكشف عن طيبة وكرم ونقاء سريرة الفنان شهيد كريم - رحم الله- أن حلو الصوت وذات عفوية وطيب الروح والذكر.