عبد الحليم الرهيمي
مع تزايد واتساع مواقف رفض وأدانة الرأي العام الشعبي للمحاصصة الحزبية (المقيتة) السائدة، كأحد المثالب والعيوب الكبيرة، التي لازمت (العملية السياسية) القائمة ومسارها منذ البدء يتزايد، بالمقابل، التمسك بها من المستفيدين منها والعاملين بموجبها، وإذا كان من نتائجها الثراء الفاحش، لأولئك المستفيدين منها وأحزابهم وتنظيماتهم السياسية مالياً وسياسياً وحتى اجتماعياً، لما وفرته لهم من أموال ومواقع ومناصب بمؤسسات الدولة من جهة، فإنها من جهة أخرى، ألحقت بالعراقيين والعراق أفدح الأضرار والخسائر والتخلف، بل وأدت في الوقت نفسه وبشكل كبير إلى فقدان غالبية المواطنين العراقيين ثقتهم بالنظام السياسي والعملية السياسية، فضلاً عن فقدان الثقة بالطبقة السياسية، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول في الدولة، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الوزراء السيد محمد السوداني.
وعلى رغم الرفض الشعبي الواسع للمحاصصة الحزبية المدمرة التي يعبر عنها بـ (المقيتة) كتوصيف ملّطف فأن ذلك الرفض قد جرى التعبير عنه بشكل مكثف وصريح، خلال حركة الاحتجاجات أو انتفاضة تشرين، التي اأندلعت في بغداد وعدد من المحافظات العراقية عام 2019 والتي فضحت بشعاراتها وهتافاتها النتائج الكارثية، التي نجمت عن تلك المحاصصة خلال العقدين المنصرمين، غير أن الجماعات والتيارات السياسية التي اأستفادت وتستفيد منها مصرة على التمسك بها وإبقائها، كنهج دائم للعملية السياسية الراهنة.
وإذْ (يجاهد) ويسعى المستفيدون لاستمرارها وإدامتها الآن وفي المستقبل، فقد عمدوا في المدة الاخيرة إلى الدفاع عنها واعطاء التفسيرات الخاطئة والبائسة لمضمونها الحقيقي و (تزويقها) امام الرأي العام الرافض لها.
وقد وصف احد المدافعين عنها ونّظر لها بالقول انها تعني (المشاركة) لكل المكونات – أي الطائفية والعرقية والمذهبية - في السلطة ومؤسساتها وذلك هو التعبير الحقيقي عن الديمقراطية ومشاركة (الجميع) في السلطة والحكم! ان بؤس التنظير هذا للمحاصصة و(تزويقها) يشير بوضوح إلى ان القائلين بذلك يتجاهلون أولاً ما اسفر عن هذه المحاصصة من دمار وخراب للعملية السياسية، فضلاً عن تجاهلهم لرفض وأدانة الرأي العام الشعبي لها.
أما ثانياً فهم يجهلون أو يتعمدون الجهل بأن المشاركة الحقيقية في الانظمة الديمقراطية، انما تقوم على اساس المواطنة وليس على (مكونات) شعوبها، وان هذه المشاركة التي تعطي لأي نظام ديمقراطي صفته الحقيقية تقوم على أساس الموالاة والمعارضة، أي ثمة أحزاب وقوى فائزة في الانتخابات وتحصل على استحقاقاتها الانتخابية، بينما تكون الاحزاب والقوى الاخرى في صف المعارضة، والتي لا يحق لها المشاركة في السلطة والحكومة، بل تنحصر مهمتها بالنقد والمعارضة للحكومة واقتراح الحلول والخطط التي تطور اداء الحكومة او تضعفها وتمهد بالتالي لقوى واحزاب المعارضة الفوز في الانتخابات المقبلة.
لقد بنيت المحاصصة (المقيتة)، على الجذر السيئ، لها الذي أقحم وثبت في دستور 2005 مصطلح تقسيم الشعب العراقي وتشتيته في (مكونات) طائفية ومذهبية وعرقية، أي بتسييس مدمر للمكونات الاجتماعية، ذات الطابع الديني والمذهبي والعرقي إلى مكونات سياسية، حيث تم استغلال ذلك أبشع استغلال عبر ادعاء أولئك السياسيين الطائفيين والمذهبيين والعرقيين، أنهم يمثلون المنتمين لهذه الكيانات الاجتماعية والزعم بأنهم يعبرون عن أهداف هؤلاء المنتمين ويدافعون عن مصالحهم، في حين أن الواقع، أقله، خلال العقدين الأخيرين أثبت بما لا يقبل الشك وبدون اي لبس أن هؤلاء السياسيين لا يمثلون إلا أنفسهم وأحزابهم أو تنظيماتهم في أحسن الأحوال لا أكثر.
إنَّ المحاصصة الحزبية المدمرة هي بلاء وجائحة حقيقية دمرت العملية السياسية، وأضرت بالعراقيين والعراق، ولن تجدي التنظيرات البائسة في تجميل وجهها القبيح، وان مصيرها إلى الألغاء عاجلاً أم آجلاً ولن يسعفها بؤس التنظير لها.