أخلاقيات المهنة.. الصحفي أنموذجاً

آراء 2023/06/08
...

نرمين المفتي

لا توجد مهنة، صغيرة كانت أم كبيرة، لا تؤثر في مصالح المجتمع، اي مجتمع وقيمه، سلبا وايجابا من خلال الالتزام بأخلاقيات المهنة أو انتهاكها. وبتعريف بسيط وشامل فإن أخلاقيات المهنة تمثل مدى التزام الموظف بواجباته الوظيفية كما يحددها القانون. اذ إن القانون يقيد أداء كل موظف أو صاحب مهنة بقواعد أساسها المصلحة العامة وعدم الإضرار به مع سبق الإصرار و
الترصد.
وزيارة واحدة إلى مواقع الصحف العربية والعالمية ستكشف أن هناك انتهاكات يومية لأخلاقيات المهنة في كل بلد وليس في العراق فقط، لكن الفرق بيننا وبينهم هو تطبيق القانون، ولكل انتهاك عقوبته التي تشكل ردعا لمن يفكر في انتهاكها، واشارة مهمة هنا وهي أن الانتهاكات المستمرة لاخلاقيات المهنة، اية مهمة، كانت ولا تزال واحدة من اهم اسباب الفساد واستمراره.
قبل اسبوع من الآن ونقابة الصحفيين كانت مستمرة بالاجتماعات استعدادا للاحتفال بالعيد 154 للصحافة العراقية، ظهر أحمد ملا طلال في حلقة مفجعة بكل معنى الكلمة من برنامجه عن تهريب النفط وتورط ضباط شرطة برتب عالية بهذه الجريمة النكراء، ضباط أساس عملهم حماية انابيب نقل النفط، اي انتهاك فاضح جدا لاخلاقيات المهنة، ومن سياق الحوار مع الناطق باسم الجهاز الوطني في الاستوديو، الذي عرض عددا مِنْ الوثائق، صورا وتسجيلات صوتية وفيديو، عن المتورطين بهذه الجريمة، وسأل ملا طلال باتصال هاتفي مع حميد الشطري، رئيس جهاز الامن الوطني، عن (المتنفذين) الذين ينتهكون اخلاقيات مهنهم ويضغطون على الجهاز لتغيير مجرى التحقيق مع المشتبه بهم.. وخلال جوابه أشار الشطري إلى أن الحملة التي تستهدف الاساءة إلى عمل الجهاز وضباطه. هنا، لا أحاول الحديث برغم من اهميته، عن جهاز امني مهمته حماية المواطن ومصالحه واهمها الاقتصاد، إنما أشير إلى مصطلح تداوله أحد المشتبه بهم مع آخر في محادثة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعرضت صورتها، وهو (صولة إعلامية)، واكرر تزامنا مع اجتماعات النقابة. وقبل الاشارة إلى (الصولة الاعلامية)، عرض تسجيل صوتي لمشتبهين بهما عن مبالغ كبيرة، لا بد أن تجمع من المتورطين بسرعة، والسؤال لمن دفعت أو ستدفع هذه الاموال؟ مرة اخرى، لن أحاول معرفة كل الجهات، لكن (صولة الاعلام) قد توضح جوابا أو بعضه.
في بلد تتكاثر فيه الفضائيات والمنصات الاعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، تكبر الحاجة إلى كوادر صحفية أو حسب المصطلح المتدوال (اعلامية) وغيرها، لا أدري إن كان هناك درسا في كليات الاعلام، التي تتكاثر بدورها مع تكاثر الجامعات الاهلية، عن اخلاقيات المهنة (professional ethics)؟ فمهنة الصحافة لا تشبه اية مهنة اخرى، لأنها في اتصال دائم مع الناس اينما كانوا وعلى مدار اليوم، وهي التي تصنع الرأي العام وتقوده.. وصولة الاعلام التي استهدفت جهاز الامن الوطني قطعا لم تكن مجانا ودفاعا، مثلا عن (حقوق الانسان) والتعدي على (الحريات)! ولكن هل يعرف اصحاب هذه الفضائيات والمنصات بهذه (الصولات) المدفوعة والتي تعمل على تزييف الحقائق؟ أو إنهم يبحثون عن (الريتينغ) من خلال ازدياد عدد المشاهدين وبالتالي ارتفاع اجور الاعلانات من خلال تصنيع (اعلاميين واعلاميات) يعرفون كيف يستفزون الضيوف ودفعهم إلى جدالات عنيفة في ما بينهم. الاعلاميون المصنعون، أقصد الذين جرى ويجري تصنيعهم، نجوما، بينهم من ارتضى لنفسه ولنفسها أن يكون اداة فساد وتخريب وتضليل الرأي العام، وهؤلاء لديهم صولات وليست صولة واحدة ونجحوا، مع الأسف، في تبييض وجوه فاسدين وتشكيل رأي عام في الدفاع عنهم، ليصبحوا هم ايضا أصحاب عقارات وسيارات
غالية.
سبق وإن اقترحت أن يكون لكل وسيلة إعلامية ميثاق يوقع عليه العاملون فيهاي يتضمن أخلاقيات المهنة، التي تحمي المصالح العامة وسمعتها واقامة ورش عمل ايضا عن أخلاقيات المهنة، لا بد من هكذا وثيقة في كل مؤسسة عامة أو خاصة، طالما أن البعض لا يلتزم بقسم التخرج والذي فيه الكثير من اخلاقيات المهنة، التي تشكل حجر الاساس في رفع قيم العمل وتحسين اداء العاملين فيها، خاصة اذا كانت هذه المهنة على اتصال يومي مع المواطن، مثل الصحافة كخطوة مهمة لاساس دولة حقيقية يكون الانسان فيها قيمة عليا ويكون الفساد فيه جريمة مخلة
بالشرف.