نوزاد حسن
في مدينة تتوسع بسرعة جنونية ومن جميع الجهات, وتتقسم بيوتها إلى أبنية صغيرة تأخذ شكلا طوليا, في بغداد صار لشارع المتنبي اكثر من قصة, وأكثر من تاريخ.
بداية قال جبرا مرة إن بغداد تترهل. جبرا يعرف عن أي شيء يتكلم. قيل هذا الكلام منذ اكثر من ثلاثة عقود. لاحظت عينا هذا الفلسطيني المتبغدد ترهلا في روح بغداد. أقول هذا لأن جبرا كان يحلم ببغداد مختلفة. ومع ذلك فنحن نعيش زمن تشظي بغداد يوميا. ففي أي فراغ يبنى بيت, وبعد أيام نشاهد تجمعا بشريا يسكن حيا أنشئ باسلوب متعجل، أسلوب يكشف لنا عن مدى حاجة الناس للاحتماء بسقف عائلي يمنحهم شعورا بالاطمئنان
والتملك.
في وسط هذا التوسع الهائل سيبقى لشارع المتنبي حضور جمالي وثقافي مميز. لكن كيف يمكن لشارع أن يبقى محافظا على هويته في وقت تتعقد فيه مشكلات السياسة, وهي كما نعرف جميعا مشكلات ملفها ضخم, ويضم بين دفتيه ملف البطالة, والجفاف والفساد, وغياب الصناعة الحقيقية, والزراعة, غير ذلك.
في وسط هذه الصورة سيتحول شارع المتنبي إلى قبرص معزولة، ومحاطة بعالم ينقسم وينقسم. في حين يظل شارع المتنبي عالما خاصا معروفا للجميع, ويرتاده زوار يعتقدون أن يوم الجمعة بالنسبة اليهم هو نوع من التحرر من ضغط الحياة اليومية. كما أن هناك من يشعر بقوة الأنا وهو يسير وسط الشارع مستعرضا حضوره الشكلي. وعلى اية حال أنا أتمنى أن يبقى لقبرص حياتنا، أعني شارع المتنبي كيانه الجميل هذا.
اعترف لأنني متأثر بقراءات أصابتني بمرض التبغدد أن هناك خطرا بدأ يظهر في نوعية رواد شارع المتنبي, وايضا في بسطيات لبعض الباعة، الذين يحضرون بسبب كثرة الوافدين للشارع.
في الجمعة الماضية لاحظت صراع الوجود واضحا في عيون باعة الكتب واصحاب البسطيات.
يريد بائع «الآيس كريم», والى جواره بائع الأكلة الشعبية «الدولمة» أن يقتربا أكثر، لكن الشارع يفترشه منذ عقود باعة الكتب, وهنا يبقى لباعة الاطعمة الرصيف، الذي يعتبره أولئك الباعة مكانا غير مميز أبدا. إنهم يتمنون تغيير الادوار بحيث ينزل «جدر الدولمة» إلى الشارع، وتتراجع بسطية الكتب إلى الخلف على الرصيف.
إن شجار الجمعة الماضية بين بائعين أحدهما يبيع الكتب سيكون علامة لما سيحدث مستقبلا.