د.عبد الخالق حسن
في سنة 1960، قررت خمسة بلدان تمتلك احتياطات كبيرة من النفط، هي العراق والسعودية والكويت وإيران وفنزويلا، خلال اجتماعها في بغداد أن تؤسس منظمةً تدير شؤون النفط، وتضبط اتجاهاته.كانت السمة الغالبة لإدارة النفط في تلك المرحلة هي خضوعها لسيطرة الشركات العالمية الاحتكارية الكبرى. فكانت خطوة تأسيس منظمة البلدان المصدرة للنفط، هي خطوة متقدمة وسابقة لزمنها، وفيها ملامح تحرر مستقبلية من هيمنة تلك الشركات. اختارت المنظمة اسم (البلدان وليس الدول المصدرة للنفط)، لأن الكويت كانت حينها ما زالت تحت الوصاية البريطانية، ولم تكن دولة مكتملة السيادة. ثم كانت المرحلة الأعقد المتعلقة بالاعتراف بالمنظمة. ولمَّا كانت سويسرا هي الدولة الأكثر احتضاناً للمقار الخاصة بالمنظمات الدولية، والتي من خلالها يتم منح تلك المنظمات صفة الاعتراف والحصانة، لهذا طرقت بلدان أوبك أبواب سويسرا، لكن جاءها الرد بالرفض، لتحصل منظمة أوبك بعد خمس سنوات، أي في سنة 1965، على اعتراف نمساوي بكونها منظمة ذات حصانة. ومن يومها اتخذت المنظمة من فيينا مقراً لها، ولا أعلم ما الداعي لبقاء مقر المنظمة في دولة ليست لها علاقة بالنفط، ولا تتحكم به أو تؤثر في أسعاره. إذ الأولى أن ينتقل مقر المنظمة إلى إحدى الدول الأعضاء فيها.عموماً، فقد خاضت دول أوبك صراعات كثيرة واجهت خلالها مواقف صعبة. لأن الدول الكبرى التي كانت تستهلك نفط دول أوبك، كانت تتحكم بنطاق الأسعار، وتفرض شروطها، وسط خشية غير منكورة من قبل أغلب بلدان منظمة أوبك.وهذا بطبيعة الحال يعود إلى أسباب كثيرة، لعلَّ أهمها أن دولة بحجم الولايات المتحدة كانت تنافس دول أوبك في نشاطها النفطي، وترسم سياساتها السعرية بحسب مزاجها الخاص. لكنَّ ملامح التحرر من هذه السطوة بدأت تتضح قبل سنوات قليلة، حين اشتد عود روسيا والصين، وبدأت هيمنة أميركا تتراجع في التأثير الدولي، لتكتمل الصورة بعد الانفلات السعودي المفاجئ وغير المتوقع من سطوة الولايات المتحدة، وذهابها شرقاً نحو الصين لتعيد إنتاج علاقاتها بعيداً عن التأثير الأميركي. الحدث المهم الذي كان خيالياً يوماً ما وصار واقعاً، هو الحدث المتعلق باتفاق أوبك بلس( دول أوبك 13 + عشر دول غير أعضاء) لتتخذ عدة خطوات تتعلق بسعر النفط والعمل على عدم اهتزازه من خلال خفض الانتاج نحو سقف محدد، والالتزام بهذا السقف من دون الخضوع لأي شروط أو توجيهات من الدول الكبرى.
يأتي الخفض الأخير الذي أقرته أوبك بلس في وقت حرج. فالحرب الأوكرانية ما زالت مشتعلة. والولايات المتحدة مشغولة بقضية الدين العام التي إن استمرت ستهز اقتصادها بشكل مرعب. لذلك، فإن منظومة أوبك بلس هي في الحقيقة نمط جديد من الادارة للثروات، انفلت مثلما ينفلت الإلكترون من مداره حول النواة متحدياً قوة الجذب. بمعنى، أن ما تقوم به أوبك بلس هو حدث نادر في السياسة الدولية، تتحدى به كل الضغوط التي ظلت تمارسها الدول
الكبرى.
إنها البداية فقط، ومع تقدم الوقت، يبدو أنَّ هذا القرن الذي ابتدأته الولايات المتحدة بحربين كبيرتين، سيكون شاهداً على نهاية الوصاية والهيمنة على دول الثروات التي طالما استغلها العالم الغربي بعيداً عن مصالح شعوبها.