ما السر الغامض وراء مقتل زولا؟

ثقافة 2023/06/08
...

  عدوية الهلالي

حصلت مكتبة فرنسا الوطنيَّة على مجموعة استثنائية من 312 رسالة كتبها إميل زولا إلى زوجته ألكسندرين بين عامي 1876 و 1901.. وتعكس الـ 312 رسالة من إميل زولا إلى زوجته ألكسندرين، كل الأحداث في حياة الكاتب خلال الفترات التي كان بعيدا عنها، كما يمكن من خلال هذه المراسلات التي تزيد عن 1100 صفحة معرفة فكر زولا ومعاركه، فضلا عن رؤيته الشخصية لقضية دريفوس والتي تطورت من الحذر إلى الالتزام الكامل. كما تحدثت العديد من الرسائل الكسندرين عن أعماله الأدبيَّة، بينما تركز الأخرى على عناصر الحياة اليومية للكاتب في باريس مثل وصف هوايته المفضلة في التصوير الفوتوغرافي أو علاقته بأطفاله. وتشكل هذه المراسلات المهمة والمتواصلة والحميمة والأدبيَّة وثيقة فريدة من نوعها لمعرفة زولا مؤلف رواية (جيرمنال) الشهيرة.
كانت ألكسندرين موجودة عند محاولة قتل زولا، إذ توفي أشهر كاتب فرنسي في عصره عن عمر يناهز 62 عامًا في ظروف غريبة. كان زولا وزوجته ألكسندرين قد عادا إلى منزلهما في شارع دو بروكسيل في باريس في 28 أيلول بعد قضاء فترة في البلاد. كان الجو رطبًا وباردًا، واشتعلت نار فحم من دون دخان في غرفة نومهما طوال الليل. وعندما ناما أغلق زولا الباب، كما كان يفعل دائمًا، وكانت قد وجهت إليه تهديدات عديدة بالقتل في السنوات القليلة الماضية. وجرت محاولة التغلب على الاثنين ببطء بواسطة أبخرة أول أكسيد الكربون، لكنهما استيقظا في الثالثة صباحًا وهما يشعران بالمرض، ومنع زولا ألكسندرين من إثارة الخدم لاعتقاده أنها مجرد نوبة من عسر الهضم. لقد كان قرارًا قاتلًا، فلم يكن قادرا على الحركة عندما نهض من السرير، ربما لفتح النافذة، وسقط على الأرض.
وفي الساعة التاسعة صباحًا، وبعد أن فتح الخدم باب غرفة النوم بالقوة، كان زولا على الأرض، ميتًا أو ما يقرب من ذلك، بينما كانت ألكسندرين مستلقية على سريرها فاقدة للوعي. وتم إرسال الأطباء لتوفير تنفس صناعي لزولا لمدة 20 دقيقة أو أكثر من دون جدوى. كما تم نقل الكسندرين إلى عيادة للشفاء. وفي وقت مبكر من بعد الظهر، وصلت رسالة إلى عشيقة زوجها، جين روزيرو، وطفليها، دينيس وجاك، وأدركت جين مباشرة ان زولا تعرض للقتل. كانت جين روزيرو أصغر من زولا بـ 27 عامًا وكانت عشيقته منذ عام 1888، وهو الوضع الذي قبلته ألكسندرين على مضض لأنّها وزولا لم يكن لديهما أطفال. ولن تكون العشيقة هي الشخص الوحيد الذي يشتبه في أمر مريب حول وفاة زولا فقد صنع له أعداء متعصبين لليمين القومي من خلال هجومه على السلطات بشأن قضية دريفوس.
في هذه الأثناء، كان جسده ملقى في نعش مفتوح مزيّن بالزهور في منزل باريس. كان ألفريد دريفوس أحد أولئك الذين جاؤوا لتقديم العزاء، كما جاءت جين والطفلان إلى المنزل لأول مرة. وفي يوم الأحد، خرج حشد من نحو 50 ألف شخص لحضور الجنازة في مقبرة مونمارتر، بحضور وزراء الحكومة والمسؤولين ووفود من عمال المناجم والماسونيين.. كان دريفوس هناك وكذلك أناتول فرانس، الذي ألقى خطبة في مدح زولا، وقال إنّ “زولا” قدم الخير لبلده لأنّه لم يفقد الثقة في قدرتها على حكم القانون” وخلص إلى أنه “كان لحظة في تاريخ الضمير البشري”.
انتشرت الشائعات بأن زولا قُتل. وتم طلب تحقيق وأجرى المتخصصون اختبارات في منزل باريس حيث أشعلت النيران، ولكن لم تكن هناك علامات تذكر على تأثير أبخرة أول أكسيد الكربون ونجت الخنازير الغينية المغلقة في الغرفة من دون أن تصاب بأذى. وتم تفكيك المدخنة، ولكن لم يتم العثور على أي شيء ذي أهمية كبيرة، على الرغم من أن كمية السخام تشير إلى أن المدخنة لم يتم تنظيفها بشكل صحيح. ثم رفض الطبيب الشرعي، الذي بدا حريصًا على تهدئة الوضع، نشر تقارير الخبراء وأعلن أن وفاة زولا كانت لأسباب طبيعيَّة.
وبعد سنوات، في عام 1953، زعمت رسالة وصلت إلى صحيفة فرنسية أن زولا قُتل على يد مقاول يعمل في تركيب المداخن فقد تعمد هو ورجاله إغلاق مدخنة منزل زولا من دون أن يلاحظ أحد ذلك، ثم قاموا بهدوء بإغلاقها في وقت مبكر من اليوم التالي، ومرة أخرى من دون أن يتم رصدهم. ويقال إنه اعترف بما فعله وهو على فراش الموت في عام 1927. وقد قبل بعض كتاب سيرة زولا اعتراف المقاول، لكن فريدريك براون في سيرته الذاتية الحكيمة توصل إلى استنتاج مفاده أن القصة ربما كانت صحيحة، لكن ذلك لم يعد ممكنًا لكي يتأكد.
لم يُترك زولا في مقبرة مونمارتر إلى أجل غير مسمى. وفي عام 1908 تم استخراج رفاته ونقلها عبر باريس لدفنها في البانثيون، ضريح فرنسا العظيم. وكان هناك الكثير من الاعتراضات وحاول القوميون الغاضبون إيقاف المراسيم فتم طردهم من قبل الشرطة والجنود وأخذ التابوت ووضعه في مكان شاهق. وفي صباح اليوم التالي، حضر الرئيس مراسيم إعادة الدفن. وكان هناك أيضا ألكسندرين وجين والطفلان، ولم يكن هناك مفر من حضور دريفوس الذي أطلقت عليه رصاصتان من مسدس من قبل رجل قريب من الحشد وهو صحفي يدعى لويس غريغوري ولكن تغلبت عليه الشرطة. كان دريفوس قد أصيب بجرح طفيف في ذراعه. وبعد انتهاء العمل كله، نزلت أليكسندرين وجين والأطفال إلى القبو، حيث تم دفن إميل زولا بجوار عملاق آخر،هو فيكتور هوغو.