وداعاً خالد القشطيني

ثقافة 2023/06/10
...

 سليم سوزه

لعلَّ مَن هوّن عليَّ وحشة شوارع بغداد أيام ما كنّا نشهد العشرات من السيارات المفخّخة بعد العام 2003 هما الكاتبان العراقيان الساخران خالد القشطيني وشلش العراقي.
كنت أحرص على قراءة مقالاتهما في صحيفة "الشرق الأوسط" وموقع "كتابات" أولاً بأول، وكنت أمنّي النفس أن أغدو كاتباً ساخراً مثلهما.
بالفعل، جرّبتُ حظي في الكتابة الساخرة في بعض الصحف العراقية بعد عام 2003، ولكن هيهات أن أصل إلى مستوى كتابات الاثنين، القشطيني والعراقي، الساخرة تلك.
لقد برعَ المرحوم القشطيني الذي غادر عالمنا هذا قبل أيامٍ حَسْب في ابتكار نوعٍ فريدٍ من السخرية، النوع الذي يُلبِس ألم اللحظة ثوب السخرية، فيصنع نصاً مفخخاً من السخرية والألم في آنٍ معاً.  
لم يكن القشطيني كاتباً ساخراً فحسب، بل ذاكرة حيّة للمدن والتاريخ والحدوتات الشعبية التي امتلأت بها مدن العراق كافة.
في مقالات القشطيني تلك، تحضر كل فنون الكتابة: البلاغة المعجونة بالسخرية، الأسلوب الأخّاذ في عرض الفكرة، ومن ثمَّ الاستعارات اللغوية والصورية التي لن يفهمها إلّا بغداديٌ عتيق خَبِرَ دهاليز المدينة وأسرارها ولهجاتها وأمثالها المحلية.
كان يكتب مقالاته إلى جمهورٍ واسع، أوسع من النخبة وأرحب من الذين يجيدون القراءة فحسب.
ذات مرة، كتبَ القشطيني مقالة عن تاريخ بعض الأمثال الشعبية في العراق، وكنتُ أحسده على دقة معلوماته وعمق تفسيراته وجمال عباراته التي بدت وكأنها حكاية من حكايات "ألف ليلة وليلة"، إذ ظهر فيها القشطيني باحثاً أنثروبولوجياً وليس أديباً أو مقالياً عراقياً فحسب.
مات "برناردشو العرب" ولم تمت مقالاته فينا.
مات الذي غادر بغداد جسداً ولم يغادرها روحاً وثقافة.
مات كاتبنا الذي عشقنا مقالاته، ولن يندثر شاهد قبره وسط أحجار النسيان أبداً.
وداعاً خالد القشطيني.