ريم الزعبي.. لوحة غزيرة التفاصيل

ثقافة 2023/06/11
...

 رولا حسن


عشقت ريما الزعبي الفن ففتحت له قلبها على مصراعيه، في هذا الحب لم تساوم ولم تقبل شريكاً، حصلت على بكالوريوس في الفنون الجميلة والهندسة المعمارية1991 موسكو، ولأنَّ الهندسة المعماريَّة ليست بعيدةً عن الفن وإنّما هي أحد تجلياته حصلت الزعبي على ماجستير في الهندسة المعماريَّة 1993 موسكو، ومارستها لعقدين من الزمن قبل أن تتفرّغ كليّاً لعشقها الأزلي اللوحة والألوان.

لعبت الممارسة العمليَّة لدراستها للهندسة المعماريَّة دورها في تراكم الوعي الكثيف لعلاقة الخطوط والألوان، لا ترى الزعبي أي تناقض بين العمارة والتشكيل فكلاهما بحسب تعبيرها "ينتميان إلى الفن وإن اختلف الشكل واختلفت أدوات التعبير". 

وأي متتبع لمسيرة الزعبي التشكليَّة سيلحظ إصرارها في اللوحة على الخطوط الفاصلة في تحدي الملامح سواء البورتريه، أو اللوحات الأخرى، وكأنّها تضع خطا فاصلا يمنح كل تفصليّة مساحتها ودلالتها، فاللوحة لديها تتأسس في مخيلة مزدحمة بالتفاصيل وعوالم غزيرة بمفرداتها التي تشدّ المتلقي نحوها، وتمنحه فرصة الاسترخاء اللذيذ في مسيرة تتبعه للخطوط والألوان التي 

تعكس مشاعر وأحاسيس لا يمكن تجاهلها.

تبحث ريما في لوحاتها على المكان وتصرُّ على تجليه في اللوحة فلا وجود لنا من دون هذا المكان، أو البيت الذي نعيش فيه، فتراها مسكونة بفكرة البيوت لا جمال هذه البيوت، وإنما البيوت بمدلولاتها وإيحاءاتها التي تشي بالدفء والطمأنينة، والحب، وكأنَّها تريد أن تشير إلى علاقة أكثر وشاجة بين البيت الطبيعي كمكان والبيت كعاطفة من خلال درجة الانعكاس التي تثيرها الملامح والتفاصيل والتي تتيح للمتلقي أن يرى ما هو موجود داخلها وأن يسمع كلّ الأصوات التي تعاقبت على سكناه، وأن يستعيد كل الحكايا التي حدثت داخله وكأنّه على صلة مع المكان بروحه وتاريخه وتكوينه.

تتراصّ البيوت في لوحة ريما، تُضاء نوافذها وتُطفئ، نسمع همس الأحاديث وحكايا الساكنين في غيابهم أو حضورهم الكثيف في آنٍ، تشدّنا إلى ذكريات بعيدة نغرق في حنانها ودفئها بعيداً عن صخب العالم وقسوته.

إنَّه المكان، ولكنّه ليس المكان بحيّزه وإنما بعوالمه الحميمة ودلالاته المتعددة.

تغصُّ تجربة ريما بالوجوه، وتأخذ المرأة حيزا كبيرا تعكس وجودها المنطقي في الحياة، الملامح كثيرة ومتعددة والدلالات لا نهاية لها، فالوجه عند ريما هو الحياة ذاتها، وهو الذي يعكس روحها كجزءٍ مهمٍ من الجسد، تستحضرها من تآلف الذاكرة والمخيلة تحت ايقاع اللون الذي لا يخيّب الظن، فتعمل على دوزنته بذكاءٍ برهافة وحساسيَّة لا حدود لها، فنرى ببساطة لا متناهية تدرّجات اللون الذي يشي بتدرّجات العواطف داخلنا كبشر، وهذا ما يجعلها مجتهدةً على مشهدها بمفردات قليلة وإيحاءات كثيرة.

يمكن لمتابع تجربة ريما الزعبي التشكيليَّة أو مشهدها التشكيلي بتعبير آخر أن يلحظ أنَّ الفكرة هي المسيطرة، فهي دوما تقول شيئاً ما، هذه الفكرة تتوزع بين اللوحة بتفاصيل كثيرة، وإيحاءات متعددة عبر اختيارها للون الذي يمنح المدلول دلالته، فهي تركز على الطبيعة وكأنّها تؤنسنها وذلك عبر خلق علاقات مختلفة بين الطبيعة ومفردات اللوحة.

توضح الزعبي في أحد حواراتها أنَّها تحاول في لوحاتها أو في بعضها إن صحَّ التعبير أن تحكي قصّة من خلال العلاقات التي تقوم بإنشائها بين الألوان وبياض اللوحة لتتحول إلى قصة تحمل العديد من المعاني، مشيرة إلى اللوحة التي استمدّتها من أغنية السيدة فيروز "يا رايح ع كفرحالا" إذ تبدو فيها البيوت القديمة متجاورة في حميميَّة مطلقة تفرّدت بها البيوت السوريَّة والعربيَّة بعيداً عن ازدحام المدن وضجيها، وتعلّق قائلةً: "عندما بدأت العمل على تجسيد أغنية السيدة فيروز وجدت نفسي أنجز المشهد وفق ما أوحته لي كلمات الأغنية، وهو أمر ذاتي تماما، ويختلف من مكان

 لآخر".

لا شكَّ أنَّنا أمام تجربة متفرّدة في المشهد التشكيلي السوري، تجربة لها وقعها ولها بصمتها المتميزة من ناحية التنوع في العمل على اللون وعلاقته بالفكرة وارتباط كل ذلك بثقافة بصريَّة ومعرفيَّة لا يُستهان بها.

أقامت الزعبي 15 معرضا تشكيلا وشاركت في عدد من المعارض والمسابقات في روسيا وقطر وسوريا والكويت وهنغاريا وقبرص، ولها مقتنيات من أعمالها في عدد من الأماكن العربيَّة والدوليَّة منها سورية، مجموعة خاصة، في قبرص القصر الرئاسي، الوزارات، وهيلتون، والبنوك العامة، ومستشفى بيريسداتيف.