عدي حسن مزعل
لا مبالغة في القول: إن المجتمع العربي (والعراقي جزء منه) يسير صوب تأسيس صورة للمرأة شكلها ومضمونها، مستمداً من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي. وأعتقد أن هذه الصورة التي تختزل المرأة في المكياج والإكسسوارات والأزياء التي تواكب الموضة، فضلا عن أخلاقيات فيها شيء من التحرر الزائف (وهو أمر ينطبق على الرجل أيضاً)
أقول: أعتقد أن هذه الصورة من الخطورة بمكان.
ذلك إن نظرة أولية على العديد من الأشكال التي تبث في وسائل الإعلام مثل: المسلسلات، الأفلام، نشرات الأخبار، الإعلانات، وغيرها من برامج، نلاحظ أن الهدف هو الترويج لصورة محددة للمرأة، هي في معظم الأحيان صورة تسويقية، تركز على الجسد من أجل التأثير في المتلقي وجذب انتباهه.
وهذا التركيز بدوره، كما هو موجه صوب المرأة، موجه نحو الرجل أيضاً.
والمراد من ذلك هو خلق نماذج يراد لها أن تحتذى وتتحول إلى قدوة في المجتمع، نماذج تقلدها وتهتدي بصورتها شكلاً ومضموناً باقي نساء المجتمع.
وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن حقوق المرأة، في وسائل الإعلام وفي الندوات، تكثر أيضاً جملة من الظواهر التي تقوض هذه الحقوق، منها: العنف الأسري، الانتحار، وارتفاع نسب الطلاق.
وبعبارة أخرى أنه بدل من تطويق هذه الظواهر والحد منها قدر الإمكان، نجد أنها تتضخم وتكبر رغم حديثنا عن الحقوق.
وكأن ثمة مفارقة بين ما ننشده ونسعى للوصول إليه وبين ما يحصل على أرض الواقع.
وأعتقد أن السبب يكمن في أن المعالجات المطروحة هي أقرب إلى الاستهلاك الإعلامي منها إلى المعالجات الجذرية الجادة، فضلاً عن أن الحديث عن حقوق المرأة في مجتمعنا، في معظمه موصول بالسياسة والأحزاب السياسية والدعاية الانتخابية، التي تحاول كسب شريحة المرأة لصالح هذا الطرف أو ذاك.
وهكذا منحى لا يعول عليه، لأن أهدافه وغاياته هي كسب التأييد والتعاطف وحشد الجمهور، لا التوعية وحل المشكلات، من خلال مناقشة عقلانية تنتهي إلى إقرار حزمة قوانين تتسق مع ثقافتنا وهويتنا، بعد تقويض كل ما هو سلبي وضار في هذه الثقافة.
وهو أمر ينطبق على كل الثقافات، إذ لا توجد ثقافة ولا تراث أمة ما لا يحمل في داخله ما يعوق مسيرته ويعطل نهوضه.
والمهم أن تحولات العصر وتأثير وسائل الإعلام هي التي جعلت من لاعبي كرة القدم والمطربين والفضائيات أكثر تأثيراً ومتابعة في المجتمع من مفكرين، أمثال روجيه غارودي وحسن حنفي ونعوم تشومسكي، كما يقول أحد النقاد العرب.
ولذا، يصح القول إن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر تأثيراً وفاعلية في خلق سلم القيم والأعراف، بل وحتى قلب سلم القيم السائد والمتعارف عليه لصالح قيم طارئة شاذة وغريبة، يعاني منها الغرب ذاته الذي عملنا على نقل متاعبه إلى مجتمعاتنا من غير فحص وتمحيص.
ويصح القول أيضاً إن أيديولوجيا الإعلام التي استبدلت الوعي بالحقوق على نحو إيجابي، بترسيخ تسليع القيم وتسطيح الوعي، هي من صنع الرجل لا المرأة التي لا تعدو كونها أداة لا أكثر.
وهكذا أمر نتج عنه إحلال الصور النمطية ومظاهر العصر الرائجة في شتى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي محل الحقوق المراد تحقيقها، فأصبحت هذه بديلة عن تلك، وهذا هو وهم (الحرية والحقوق).
ولذلك من الواجب عدم إهمال دور الإعلام في صناعة صورة المرأة.
فمن غير مراجعة تلك الصورة وتمحيص الغاية من ترويجها، وهي صورة سلبية في معظم الأحيان، لا جدوى من الحديث عن الحقوق.
فالإعلام في النهاية سلطة، وهو إلى حد كبير يسّير المجتمعات ويتحكم في أذواقها وسلوكياتها.
وأداة لها هذه المنزلة من التأثير في عالمنا اليوم، في الغرب كما في الشرق، وتشارك في التربية وتنشئة الأجيال أكثر حتى من العائلة والمدرسة، لا بد من مراجعة دورها والتدقيق في غاياتها، ليس لصالح حقوق المرأة وحسب، وإنما حقوق عموم المجتمع رجالاً ونساءً، في تلقي ما ينفعهم ويسهم في تنشئتهم تنشئة سليمة، وما ينطبق على المرأة ينطبق على الرجل أيضاً، الذي هو الآخر لا يقل تأثر عن المرأة بأيديولوجيا الإعلام، إن لم يكن أكثر
منها.
صفوة القول: إنه ما لم ترسم الحقوق وفق أرادتنا، وضمن معطيات ثقافتنا وتراثنا، مع الأخذ بكل ما هو إيجابي ونافع من الحضارات الأخرى، فإن هذه الصورة ستتحول مع مرور الوقت إلى عادات وتقاليد تفرض نفسها تحت مسمى مواكبة العصر، ومن ثم تغرس في وعينا رغماً عنا، وحين نعمد إلى مراجعتها يصبح ذلك مساً بالحقوق ونزعة رجعية متخلفة، عندها نكون أمام أزمة هوية، ويبرز إلى السطح سؤال من
نحن؟.