أحمد الشطري
غالبا ما تكون نسب النجاح وارتفاع أو انخفاض معدل درجات الطلبة هو المقياس الذي تتضح من خلاله جودة أو رداءة التعليم، وهذا هو ما معمول به في بلدنا، وما تعتمده المؤسسات التعليمية كخط بياني تتبين من خلاله نجاح أو فشل هذه المؤسسة التعلمية أو تلك، وكذلك للتمايز بين أفراد الهيئات التعليمية، والحقيقة أن هذا المقياس، وإن كان في ظاهره يبدو منطقيا في تعبيره عن الواقع، إلا أنه بات يشكل انعكاسا لصورة خادعة تشبه إلى حد ما عمليات التجميل أو أدواته التي تخفي العيوب عن الأنظار، ولكنها تسرب في الوقت نفسه الكثير من عوامل التلف للبشرة، والتي ستظهر وبشكل فادح بعد حين مضيفة إلى العيوب القديمة عيوبا جديدة أكثر قبحا.
ومما لاشك فيه أن المؤسسة التعليمية هي من المؤسسات التي ترتكز عليها بنيات المجتمع المختلفة، وتأسيسا على معطياتها تتجلى صورة ذلك المجتمع، ومن هنا تبرز أهمية السعي إلى ترصين وتدعيم هذه المؤسسة بما يتيح لها إنتاج الأجيال المحصنة علميا وثقافيا وأخلاقيا وحضريا، ومثل هذا الإنتاج لن يأتي وفق السمات والمواصفات الحقيقية، إلا إذا توفر عامل الوعي والإدراك لحقيقة وجوهر المشكلات التي تواجه مسيرة إنتاجه، وليس عبر الأحكام والتقييمات المتأتية عن النظرة السطحية للقشرة أو الغلاف الخارجي.
إن مَثَلَ هذه الأحكام مَثَلُ الطفل الذي يجذبه غلاف الشكولاتة بشكله البراق، فيحكم بجودة ما تحت الغلاف، حتى إذا ما فتح الغلاف وتذوق تلك الشكولاتة تبين له حقيقة طعمها، وعند ذاك لن يتمكن من استبدالها أو استرجاع نقوده.
إن هذه المظاهر الخادعة باتت تشكل بؤرة وبائية قد لا تنفع معها اللقاحات المستقبلية، فهي أوسع انتشاراً وأخفى أثرا وأشد فتكا من تلك الفيروسات المادية الجينات، لأن جيناتها من النوع الذي يبقى ملازما ومتأصلا في حواضنه؛ لينتقل عبرها لحواضن جديدة ومتسلسلة الوجود.
قد يرى البعض أن كثرة المعدلات المرتفعة هي حالة صحية، ولكنها في الحقيقة تعبر عن حالة مرضية، وهي نتاج تلك البؤرة الفيروسية الخفية؛ لأنها لا تعبر عن حقيقة التعليم الذي يعرف العاملون به مدى رداءته وبؤس أدواته وسطحية المعالجات التي تقدمها المؤسسة التعليمية.
إن أغلب مخرجات العملية التعليمية في وقتنا الحاضر، هي في الواقع أمية مقنعة، وليس أدل على ذلك ما نجده على صفحات التواصل الاجتماعي من سوء تعبير وأخطاء إملائية ساذجة حتى ممن يشتغلون في التعليم أو حملة لشهادات عليا، مضافا لذلك الفقر الواضح في المستوى الثقافي العام، وربما تصل حالة الفقر المعرفي حتى إلى الجانب الاختصاصي.
إن مشكلة بالغة الأهمية والخطورة كهذه تتطلب جهودا حقيقية، واهتماما مخلصا، وتخطيطا منهجيا؛ لوضع الحلول اللازمة للخلاص من هذه الآفة، أو محاصرة دائرة توسعها وانتشارها على الأقل، وهذا بلا شك يستدعي السعي الجاد والعاجل من قبل الحكومة بشكل رئيس، والمؤسسات المسؤولة عن التعليم بمختلف مستوياته، من خلال توفير البنى التحتية القادرة على توفير المناخ المناسب للدرس التعليمي وفق أسس علمية رصينة، سواء من حيث المباني القادرة على استيعاب التوزيع المقنن للتلاميذ، أم تأهيل الكوادر التعليمية بشكل حقيقي وليس شكليّاً، بالإضافة إلى ضرورة تشكيل اللجان التي تتمتع بالكفاءة والرصانة لتأليف وتطوير المناهج التعليمية، وإبعادها عن دائرة العلاقات الضيقة والمحاصصة المقيتة.
إن مثل هذه الجهود بلا شك تحتاج إلى دعم مادي كبير، وجهود مخلصة ومثابرة في عملية التنفيذ، مقرونة برقابة دقيقة؛ لمنع يد الفساد من استغلالها بالشكل الذي يخدم مصالحها، ويعيق عملية التكامل العلاجي للمشكلة وتطويق أثارها المتشعبة، وانفاق مثل هذا لن يكون استهلاكيا كما يبدو في ظاهره؛ لأن نتائجه وعائداته المستقبلية ستكون جدواها الاقتصادية والاجتماعية أكثر نفعا مما هو يبدو ظاهريا وآنيا.