د.عبد الواحد مشعل
تلبية لدعوة كريمة لنا، ولعالم الاجتماع العراقي المقيم في المانيا،الدكتور حامد السهيل المتخصص في الاجتماع الصناعي، من قبل احد الاصدقاء لزيارة مدينة هيت في محافظة الأنبار، وتم خلالها الاطلاع على طبيعتها الجميلة، وبعض أماكنها المطلة على نهر الفرات حيث النواعير التراثية، بصفتها وسيلة استخدمها الانسان منذ القدم للحصول على الماء أو لسقي بساتينه، وفي سياق الجولة في ارجاء المدينة شاهدنا ظاهرة طبيعة (عيون القير الطبيعة)، التي استوجبت الوقوف عندها، لما اثارته من فضول الاستطلاع ورغبة في معرفة حقيقتها، ما جعل الأمر يأخذ من الجولة وقتا طويلا، فهي ظاهرة تستدعي المهتم استدعاء ملحا للوقوف عليها، وتفكيك بنودها تمهيدا لتحليلها، ومن ثم إعادة تكاملها بهدف فهم ما يمكن فهمها في سياق منهجي علمي، لما لها من أهمية في حياة الإنسان، وصلتها بجانب الخدمات، التي لا تنفصل بأي شكل من الأشكال عن متطلبات الحياة العصرية، كما هو الحال مع هبة الله المتمثلة بعيون القير المتدفقة بشكل أزلي، وبكميات كبيرة لا تنضب والمنتشرة في مناطق المدينة المختلفة، حتى أن اصحاب الارض يستفادون من تجارتها المحدودة بعض المنافع المالية، واستحضرت ذاكرتنا بعض المصادر والأحاديث، التي تؤكد أن البابليين والسومرين والآشوريين والأكديين، قد استفادوا منها في اكساء الطرق واستخدامات أخرى احتاجها انسان تلك الحضارات، فكيف اليوم، وقد عبر الإنسان في تطوره العلمي والتكنولوجي كل البنى الحضارية التقليدية، ليجد نفسه اليوم امام حقائق إنحازية ابتكارية تكنولوجية، تعدت تصورات الإنسان خلال تاريخه القديم، إلى مرحلة ابتدأت بالثورة الصناعية، مرورا بثورات عدة، وصولا إلى عصر الثورة الاتصالية، حتى وجدنا أنفسنا ونحن نشاهد بأم أعيننا عيونا من القير تتدفق باستمرار، دون أن يستفيد َمنها إنساننا في اكساء شوارع مدنه ومناطقه المختلفة، التي تستغيثُ من الخراب، ونحن نقف أمام تلك العيون لا نستطيع التحرك يمينا ويسارا، إلا باتجاه واحد وهو النظر والانشغال بواقع تلك العيون.
واثناء البحث عن أصول هذه العيون في تاريخ هذه العيون الطبيعية، ادلى بعض الأهالي بشهادات عن أهمية هذه العيون واستخدامات منتجاتها القيرية، من قبل السكان في إكساء الطرق، وكذلك لمنع الرطوبة في المنازل، فضلا عن استخدامات أخرى منها صناعة بعض الأواني البلاستيكية، التي يستعملها الإنسان للحصول على المياه باداة يطلق عليها (الدلو)وفي اثناء جولتنا الاستطلاعية عن العيون الطبيعية، وجدنا أخبارا تخبرنا عن وجودها في المدينة من آلاف السنين، وهي باقية تدر على الإنسان مادة في غاية الأهمية، عندما يكون هناك اتجاه حقيقي من قبل الدولة في توظيفها بشكل علمي في اكساء شوارع مدن العراق، وطرق المناطق الريفية بتكلفة بسيطة، لو تمّ استغلالها اقتصاديا لكفت حاجة البلاد، وزادت عن حاجتها بكثير، ودرت أموالا طائلة، بصفتها موردا مهما لاقتصاديات البلاد، يضاف إلى ثروات العراق الطبيعية الهائلة الأخرى، والتي تنتظر استغلالا اقتصاديا أمثل، لكن الحقيقة المرة تؤشر إلى العكس من ذلك، فهي باقية دون استثمار بشكل يتوافق مع حاجتها المتزايدة لشوارع تستغيث.
إن هذا يتطلب من الحكومة المحلية في المحافظة والجهات التخطيطية في البلاد الالتفات إلى هذه الثروة الطبيعية والاستفادة منها في إكساء شوارع البلاد، وتهيئة الوسائل اللازمة لتوظيفها بشكلٍ أمثل في تعبيد شوارع البلاد، التي تعاني من خراب واسع،لا سيما شوارع العاصمة بغداد، وهو أمر سهل اذا توفرت الارادة الصلبة، وشدّت العزائم، في استغلال هذه الثروة التي لا تنضب.
إن هذه الدعوة إنما تنطلق من من قاعدة عامة، متمثلة في ضرورة استغلال الثروات الطبيعة الوطنية، وتوظيفها لصالح العباد والبلاد، ومنها على سبيل المثال الغاز، الذي يحرق معظمه في الهواء، وعليه وتماشيا مع أهمية هذه العيون القيرية بعدّها ثروة وطنية، فالامر يستدعي استغلالها بشكل يغطي حاجة البلاد، وكمصدر مهم لتعظيم عائدات اقتصاد البلاد، عندما يصدر الفائض منها إلى الأسواق الإقليمية.