حسب الله يحيى
لا يختلف اثنان من العراقيين بشأن ما يحصل في اية دائرة حكومية، ولا يختلفان في معاناتهما بشأن الروتين المزعج والقاتل والذي يكشف عن حالات كثيرة أهمها:
ـ إن معظم الموظفين الجدد لا معرفة لهم بالمهام التي توكل اليهم، وهم أنفسهم لا يرفضون استلام هذه المهام ولا السؤال عن تفاصيلها.
ـ بات من المألوف إهمال الموظف لمعاملات الناس، وعدم التعامل معهم بشكل محترم، كما ينظر إلى المراجع، كما لو انه متسول أو أن معاملته غير قانونية، وهو موضع شك وريبة امام الموظف المسؤول عن معاملته.
ـ يتجاوز عدد كبير من الموظفين في الدوائر العدد اللازم، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اهمال كثير من الخطوات اللازمة لانجاز أية معاملة، وذلك بسبب تداخل طبيعة العمل، سواء كان قانونيا أو غير قانوني.
وبالتالي لا يمكن انجازه الا مقابل رشى.
ـ هناك اهمال متعمد، واضاعة للوقت، وتسويف في انجاز المعاملات، وذلك بسبب العقلية الروتينية التقليدية، التي يحملها الموظف جهلا أو تنكيلا بالمراجع.
ـ انشغال الموظف بأمور هامشية ذاتية، واضاعة الوقت من دون الاحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فضلا عن غياب رقابته ومعاقبته جراء هذا الاهمال، على الرغم من وجود عدد من الكاميرات التي تراقب عمل الموظف.
ـ على الرغم من وجود التقنيات الحديثة في الاجهزة الالكترونية المستخدمة، إلا أن عددا كبيرا من المسؤولين لا يستخدمونها، اما عن جهل بطريقة استخدامها أو رفض تعلمها واتقان الاشتغال عليها، أو رغبة أنانية تكمن في سايكولوجية هذا الموظف الذي لا يشغله امر المواطن ولا انجاز معاملته، الا تحت ضغط المسؤول عنه.
ـ وجود قوانين واجراءات وتعليمات تعسفية بحق المواطن، ليظل امام الموظف مصدرا للشك والريبة من دون سبب حقيقي، ومن دون مبادرة في اتقان العمل على الوجه الصحيح. ـ توزيع الموظفين بين طبيعة العمل بشكل فوضوي لا يراعى فيه دقة هذا العمل وانسيابيته لدى موظف آخر.
ـ يتحمل الموطن من جهته فقط كل الاخطاء التي يقترفها الموظف ، في وقت يفترض محاسبة الموظف المخطئ عند خطئه، وعدم وضع الخطأ في رقبة المواطن واضاعة وقته وماله وجهده.
من هنا نجد أن الحاجة ماسة وضرورية في مراجعة القوانين والتعليمات والأنظمة والتوجيهات كافة، والغاء الحلقات الزائدة التي لا حاجة لها بدلا من الاصرار عليها.. مثل صحة الصدور، أو إجراء الفحوصات المرضية من قبل اكثر من لجنة، أو الحصول على بطاقة السكن، أو ايجاد شاهدين لغرض المصادقة والتأكد على ابسط معاملة.
كذلك يفترض ان تكون هناك ثقة بالمواطن وعدم اشغاله باستنساخ عشرات النسخ في أبسط معاملة حكومية، وهو الامر الذي يفاقم عملية الروتين وتبديد الوقت والمال.
واذا ما تقاعس أحد الموظفين في عمله فلا من محاسب ولا من معالجة لمواقف سلبية أو إهمال مقصود أو غير مقصود.
واذا كنا نريد بناء جسور متينة من الثقة والمحبة والتآلف بين الموظف والموطن، بوصفه إنسانا محترما، يتعامل مع حكومته وقوانينها بكل شفافية، فإن الامر يحتاج إلى تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن.. فهي مطلوبة ومهمة، ذلك انه لا يمكن بناء وطن آمن ومواطنة سعيدة، ما لم تعمل على بناء هذه الثقة وهذه الجسور المتينة التي تجمع بين كل مواطن مع حكومته.
واذا كنا نعد المواطن حقا بأنه مصدر السلطات، كما يشير إليه الدستور ويكرر العبارة كل المسؤولين؛ فإن ترجمة هذه الجملة والعمل على نقلها من حالة السكون والرتابة، ليكون هذا الحال قائما، مما يتطلب تثقيف الموظف، بوصفه واجهة الحكومة ووجهها المشرق، على أن يتعامل مع المواطن تعاملا محترما وسليما، ويكون مرشدا له كذلك، بدلا من هذا الجفاء والغلظة والأساليب الخشنة والتقليدية والتعجيزية والتعسفية، وحتى إهانة للمواطن احيانا.
المسألة تحتاج إلى إلزام الموظف المسؤول على أن يكون الانسان النبيل والموجه للمواطن لادامة وتعزيز الثقة بينه وبين هذا المواطن.