زهير كاظم عبود
الأموال التي تتم سرقتها أو الاستحواذ عليها من المال العام تعد من أموال الشعب، ولا مجال للمساومة عليها أو التفاوض بشأنها، ما دامت سرقتها أو الاستحواذ عليها أو السيطرة عليها باي شكل كان خارج القانون، ولما كان فعلها يعد من الأفعال الجرمية الخطيرة، ويجعل من مرتكبها متهما بفعل جرمي مقترن بالظروف المشددة، وبالنظر لما يمر به البلد، فإن الامر يتطلب التشديد في قضايا اطلاق سراح المتهمين، أو عدم منعهم من السفر خارج العراق، أو التفاوض أو المساومة معهم على جزء من مبالغ السرقات أو الاختلاس.
أقرَّ الدستور العراقي الحق لكل مواطن عراقي التمتع بالحرية والحياة والامن، وهذا الحق ينبع من حماية المواطن بحريته وحقه بالحياة الكريمة وحقه بحياة آمنة، والاساس الذي يمكن الاستناد إليه في هذا المعيار سلطة مستقلة لا سلطان عليها لغير القانون، وهذه السلطة تعتمد أساس عام يسري على جميع المواطنين بشكل متساوٍ، وهي أن لا جريمة ولاعقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، وان كل متهم مهما كانت التهمة بريء حتى تثبت أدانته، وإن العقوبة شخصية، وفي سبيل تبسيط وتسهيل الإجراءات القانونية، التي يعتمدها القضاء في مواجهة ملفات الفساد، وهي الملفات الأكثر خطورة وتحدٍ وابتذالا بعد ملف الإرهاب.
ولأن السلطة القضائية مستقلة وأن القضاة في المحاكم مستقلون فإن الدستور والقانون ومفاهيم العدالة افترضت عدالتهم بما يرتفع لمستوى مواجهة ملفات الفساد بشكل حاسم، وهذا الأمر يتطلب بالإضافة إلى الفطنة والدراية والحنكة، التي ينبغي ان تتوفر عند القاضي المختص بالتحقيق في قضايا الفساد، ومثل هذه الصفات التي يواجه بها المختص بالتحقيق الأساليب والاشكال والصور التي تعتمدها عناصر الفساد، والطرق التي تسلكها وتتستر بها، فان الدقة وفرز الاتهامات ومعرفة الأمور الكيدية وصور الإيقاع بالأبرياء ينبغي ان تكون حاضرة في ضمير، وعقل المختص بالتحقيق في هذه الملفات، والتي ينبغي ان تكون السرعة في الإنجاز واكتمال الملفات لتصبح جاهزة لإصدار قرارات الإحالة على المحاكم المختصة لإصدار الاحكام المتناسبة مع الفعل، أو بالإفراج عن المتهم في حال عدم توفر الأدلة أو عدم كفايتها للإحالة.
إن مرحلة التحقيق ستكون المرحلة الأهم والأخطر في كشف معالم جرائم الفساد، وهي أيضا التي يتولى فيها القائم بالتحقيق جمع الادلة وسرعة جمع الاثار المادية للجريمة، إضافة إلى الاستماع إلى الشهادات ووضع اليد على المستندات والأوراق، التي تفيد التحقيق والسيطرة على أجهزة الكمبيوتر الرسمية والشخصية بما لا يعرقل العمل الإداري للمرفق، واتمام عمليات التفتيش ووضع اليد على ما يفيد التحقيق ويعزز من دور الأدلة في مرحلة الاتهام.
الاتهام يقيد حرية المتهم فيلجا القاضي لإصدار قرارا بتوقيف المتهم، وهذا التوقيف منوط بتعرض التحقيق الي الضرر في حال اطلاق سراح المتهم بكفالة ضامنة، أو إن إخلاء السبيل يؤدي إلى هروب المتهم.
ويلجأ قاضي التحقيق لضمان السيطرة على مداخل العملية التحقيقية إلى حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهم، وأن يعتمد إشعار جميع الدوائر الرسمية لتنفيذ وتسهيل هذا الامر، إضافة إلى اعتماد وسائل تقيد من عملية تحرك المتهم بمنع سفره إلى خارج العراق بأي صفة أو شكل كان.
وبعيدا عن الأساليب القديمة في عملية الاستجواب، يتم اعتماد الطرق الحديثة التي يعتمدها أغلب قضاة التحقيق لاستجواب المتهم، ولأن الأغلب من قضايا الفساد التي تعرض على قضاة التحقيق، الذين يختصون بهذا العمل تدور حول اختلاس أو استحواذ أو السيطرة بشكل غير قانوني أو اعتماد طرق الاحتيال أو الابتزاز والضغط على الافراد لدفع الرشاوى بأشكالها المتعددة، فإن سلطة قاضي التحقيق واسعة في التوصل إلى الأصول والبيانات والتحويلات والطرق، التي يتم اعتمادها من قبل المتهم في شراء العقارات داخل أو خارج العراق، وتهريب الأموال سواء بالطرق التقليدية أو الرسمية أو عن طريق التهريب خارج تلك الطرق، وتحويل تلك الأموال إلى عقارات ومنافذ بأسماء قريبة منه دون ان يكون لها أساس مادي وطريق قانوني، يتم اعتماده في تسجيلها حتى ولو كانت خارج العراق.
الأموال التي تتم سرقتها أو الاستحواذ عليها من المال العام تعد من أموال الشعب، ولا مجال للمساومة عليها أو التفاوض بشأنها، ما دامت سرقتها أو الاستحواذ عليها أو السيطرة عليها باي شكل كان خارج القانون، ولما كان فعلها يعد من الأفعال الجرمية الخطيرة، ويجعل من مرتكبها متهما بفعل جرمي مقترن بالظروف المشددة، وبالنظر لما يمر به البلد، فإن الامر يتطلب التشديد في قضايا اطلاق سراح المتهمين، أو عدم منعهم من السفر خارج العراق، أو التفاوض أو المساومة معهم على جزء من مبالغ السرقات أو الاختلاس.
القواعد التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل في دور التحقيق الابتدائي، لن تغيب عن بال قاضي التحقيق، وهو بالإضافة إلى استقلاليته وان لا سلطان عليه لغير القانون، فان الدستور وقانون السلطة القضائية، قد أكدا ألا يجوز لأية جهة أو سلطة التدخل في القضاء أو شؤون العدالة، وضمير القاضي المهني وسلوكه يعتمد في هذا السبيل.
إننا أمام مرحلة غاية بالخطورة نواجه بها الإرهاب الذي تجمع لنا من كل مزابل التاريخ، ودفعنا خيرة شبابنا لمواجهة هذه الهجمة، التي تمكنا من دحرها والقضاء عليها، مع بقاء بعض الجيوب والخلايا التي تجد لها مأوى أو ملاذ في مناطق لا يسكنها البشر جاري تنظيف بلدنا منها، الا اننا نواجه اليوم ملفات الفساد، ونواجه أساليب وطرق يندى لها الجبين في الاستحواذ على أموال العراقيين وقوتهم ومستقبل أولادهم، لذلك علينا ان نرتقي بأساليب العمل التحقيق إلى مستوى المواجهة، التي تؤكد لنا يقينا باننا سننتصر على هذه الهجمة ونقضي علي فاعليها ومرتكبيها بالقانون.