محمد صالح صدقيان
لم تؤكد طهران ولا واشنطن المعلومات التي تحدثت عن تشكيل قناة دبلوماسية بين العاصمتين، لتسوية المشكلات العالقة بين الجانبين، وصولا لــ {اتفاق مؤقت} كما تشير التسريبات؛ بل سمعنا ما يتعارض مع ذلك عندما نفت الإدارة الاميركية مثل هذه التسريبات، التي ذكرتها مصادر صحفية أميركيَّة! في حين نفت مصادر مقربة من الحكومة الإيرانية هذه التسريبات.
وبعيدا عن صحة هذه التسريبات من عدمها، فإنها تتحدث عن لقاءات متعددة، حصلت بين سعيد ايرواني مندوب إيران لدی منظمة الأمم المتحدة وروبرت مالي المندوب الاميركي في الشان الإيراني، تم خلالها الاتفاق علی "اتفاق مؤقت" يتيح لإيران بيع النفط بمعدل مليون و200 الف برميل يوميا؛ والافراج عن الودائع المالية الإيرانية المحتجزة، مقابل تعليق انشطة تخصيب اليورانيوم المرتفعة، التي تصل الی 60 بالمئة.
هذه التسريبات تقول إن الاتفاق أصبح جاهزا وهو الآن علی طاولة قيادة البلدين.
من الجانب الأميركي نفت وزارة الخارجية الاميركية هذه التسريبات، كما أن الجانب الإيراني رأی فيها بأنها لا تمتلك المصداقية الكافية، وأنها غير دقيقة.
لكن معلومات إيرانية غير رسمية تتحدث عن دخول سلطنة عمان وقطر في تشكيل قناة دبلوماسية للحوار بين طهران وواشنطن، خصوصا أن سعيد إيرواني كان قد قاد المباحثات مع الجانب السعودي في بغداد، كما أنه كان معاون أمين مجلس الأمن القومي الإيراني قبل أن يتسلم حقيبة مندوب إيران في منظمة الامم المتحدة؛ في الوقت الذي ذكرت مجلة اكسيوس الاميركية أن مسؤولين أميركيين أجروا محادثات غير مباشرة مع إيرانيين في عمان للتوصل، لتفاهم بشأن برنامج إيران النووي، حيث نقلت مصادر إيرانية إن كبير المفاوضيين الإيرانيين علي باقري قد شارك في هذه المباحثات.
وما يدعم صحة هذه التسريبات وجود مؤشرات حدثت منذ الزيارة المهمة، التي قام بها سلطان عمان هيثم بن طارق لطهران بداية شهر مايو حزيران الجاري، وهي تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين بين طهران والدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة، حيث بقيت هذه الصفقة مجمدة منذ العام 2022، بناءً علی الرغبة الأميركية التي ربطت تنفيذها بتقدم المباحثات لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
في المؤشر الثاني ما يتعلق بالحديث عن الإفراج عن الودائع الإيرانية المحتجزة في العراق وكوريا الجنوبية واليابان، إضافة إلی صندوق النقد الدولي، والتي تبلغ 24 مليار دولار ودخول البنك المركزي العماني علی خط هذه الصفقة، لترتيب صرف هذه الودائع في الاعتمادات الإيرانية المفتوحة لشراء الغذاء والدواء.
في المؤشر الثالث قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسوية مشكلاتها مع طهران، استنادا إلی "خارطة طريق" وضعت بين الجانبين في الوقت، الذي قال عضو الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي إن إيران لن توقع علی أي قرار ما لم تتم تسوية جميع المشكلات العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي أعطی انطباعا علی وجود "شيء ما" يدور في الافق للتوصل لـ "اتفاق مؤقت" أو العودة لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
مصدر دبلوماسي أوروبي في طهران رأی وجود تطورات ومتغيرات جديدة في العلاقة الأميركية الإيرانية، وهناك جهد غربي تقوده واشنطن للتقرب من طهران، خصوصا بعد العثور علی عينات يورانيوم مخصبة بنسبة 83 بالمئة، وهي نسبة قريبة جدا من عتبة صناعة القنبلة النووية؛ إضافة إلی اقتراب طهران بشكل كبير من موسكو؛ والتقدم الحاصل في المنظومة الصاروخية الإيرانية؛ ناهيك عن التعاون الروسي الإيراني في المجال العسكري، والذي سيتيح لإيران الحصول علی طائرات سوخوي الروسية من طراز 35 في القريب العاجل، كما تتحدث المصادر الإيرانية.
مثل هذه المتغيرات – يضيف الدبلوماسي الاوروبي – مقلقة للدول الغربية وتحديدا واشنطن، وهي تريد السيطرة علی الطموحات النووية الإيرانية والوقوف أمام التقارب الإيراني الروسي، خصوصا في مجال التعاون العسكري.
وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن قد زار طهران بداية العام الحالي، ونقل لها رغبة أميركيَّة لحلحلة المفاوضات النووية، من خلال القيام بتحقيق اجواء ايجابية عبر تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والافراج عن الودائع المالية الإيرانية المجمدة؛ إضافة إلی النتائج التي تمخضت عنها زيارة سلطان عمان، الذي نقل تصورات أميركيَّة، بينما سمع من القيادة الإيرانية تصورات عن مستقبل العلاقة بين إيران والدول الغربية.
ما يخص التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن الجانبين نجحا لتسوية نقطتين من أربع نقاط عالقة بين الجانبين.
فإيران استطاعت اقناع الوكالة بالظروف، التي أدت إلی وجود عينات، فيها يورانيوم مخصب بنسبة 83 بالمئة، وهي قضية فنية طبيعية لا تدل علی امتلاك إيران لهذه النسبة من التخصيب؛ كما أن إيران اقنعت الوكالة بأن موقع "إبادة" في مدينة مريوان لا يملك أي نشاط نووي في الوقت الراهن؛ في الوقت الذي يعمل الجانبان لمعالجة القضايا المتعلقة بموقعين اخرين هما موقع "تور قوز اباد" و"ورامين" في ضواحي العاصمة الإيرانية طهران.
هذه الخطوات تحاول إضفاء حالة ايجابية علی العلاقة المتذبذة لتعزيز الثقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي هذا الاطار؛ لا يمكن نفي وجود نشاط دبلوماسي إيراني أميركي، علی الرغم من نفي العاصمتين الإيرانية والأميركية لكن السؤال الصعب؛ ماذا يهدف هذا النشاط؟ هل لتبادل صفقة المعتقلين؟ أم لتنفيذ صفقة الإفراج عن الودائع الإيرانية المجمدة؟ أم أنه يحاول الوصول لاتفاق سواء كان دائما أو مؤقت ؟.
الإجابة عن هذه الاسئلة وإن كان صعبا نظرا لحساسيَّة وأهمية العلاقة بين واشنطن وطهران والمواضيع المطروحة، بينهما لكن يمكن الاجابة بـ "نعم" علی كل هذه الاسئلة، استنادا للمؤشرات المتوفرة وإنَّ غدًا لناظره قريب.