العراق بين حريرين

آراء 2023/06/13
...

  هشام داوود

بعد الانتهاء من مؤتمر وزراء النقل العرب في بغداد الشهر الماضي بخصوص مشروع (طريق التنمية)، شهدت الساحة السياسية جدلاً واسعاً وتضارباً كبيراً بين المسؤولين، الذين انقسموا إلى فريقين أحدهما، يؤيد المشروع والآخر اعتبره ضد مشروع الصين والذي يسمى (الحزام والطريق).

فمثلاً تصريح المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي (إن تسمية طريق الحرير انتهت وحتى الصين استبدلت هذه التسمية بمبادرة الحزام والطريق)، ليجيب عليه النائب سعود الساعدي وينفي ذلك وبالوثائق، ومن جهة أخرى وزير النقل العراقي الذي قال بأنه لم يعثر على أي وثيقة أو كتاب رسمي في وزارته بهذا الشأن، وهو ما اثار غضب بعض الناشطين.

مهما كانت التسمية (الحزام والطريق) أو (طريق الحرير)، فهو أقرب ما يكون إلى الحلم وذلك لصعوبة تنفيذه، فالممرات السبعة التي يمكن للصين استخدام واحد ليتم اعتماده، اثنان من هذه الطرق تدخل إلى العراق الاول واسمه (آسيا الوسطى-غرب آسيا).

فدول آسيا الوسطى هي كل من كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، وتركمانستان) وجميع هذه الدول لها مشكلات معقدة مع الصين على نوعين، الأول هو الديون نتيجة القروض الصينية بسبب سياسة (فخ الديون)، التي اتبعتها الصين مع هذه الدول، والثاني يتمثل بالقمع والعنف الذي تمارسه الحكومة الصينية ضد المسلمين في الصين (اليوغور)، وهم من قومية الترك وهي نفس قومية شعوب هذه الدول الخمس، وهذه المسألة لطالما أثارت المشكلات بين حكومات هذه الدول مع الصين بسبب الضغط من قبل شعوبها، وحري بالذكر أن هذا الطريق يمر بمقاطعة شانج يانغ وهي موطن الصينيين 

اليوغور.

اما النصف الثاني دول غرب آسيا وهي إيران والعراق وسوريا والأردن، والمشكلة تكمن في أن هذا الخط وعند دخوله بغداد يتفرع إلى ثلاثة فروع يذهب الأول إلى السعودية، والثاني إلى سوريا والثالث إلى الأردن، ومنها إلى ميناء ايلات الإسرائيلي، وهذا الامر لا يمكن للحكومة العراقية والإيرانية أن توافق عليه.

اما باقي الخطوط المقترحة فهي بعيدة جداً عن الواقع، اذ يمر الأول عبر منغوليا ومن ثم يقطع معظم أراضي روسيا ليدخل قلب أوروبا، وهذا بحكم المستحيل من حيث التكلفة والتضاريس الوعرة. 

والثاني هو ممر (الصين- الصين الهندية) والذي يبدأ من الصين ليدخل أراضي خمس دول وهي ڤيتنام وتايلند ولاوس وكمبوديا وماليزيا، وهو امر غريب بالفعل لمن يتوقع هذا الخط، فجميع هذه الدول ضمن المعسكر المضاد للصين، فمثلاً ڤيتنام التي تعتمد ومنذ أكثر من عقدين على شراء الصواريخ والمعدات العسكرية من الهند ضد (الصين)، فكيف لأحد أن يتوقع قبول حكومتها بمثل هذا القرار؟

كل من يتابع الموضوع عليه ألا ينسى مجموعة الحوار الأمني الرباعي (QUAD) والتي تضم الهند واليابان وأستراليا وأميركا وهذا بحد ذاته تحالف يجمع مصالح هذه الدول التي تعمل على منع نمو القوة العسكرية الصينية، والتي تمنع بدورها استخدام مياهها الإقليمية لأي عمل لصالح الصين.

اخيراً فإن الممر الوحيد الذي يجعل العراق جزءاً مهماً من الحزام هو ذلك (الذي يمر عبر باكستان التي لا غنى عنها والتي تمثل عنق هذا الطريق) ليصل إلى ميناء گوادر، ومن ثم بواسطة السفن التي تنطلق منه لتصل ميناء الفاو، لكن من الضروري القاء نظرة على أوضاع باكستان والخط الذي تمر به السكك الحديدية، التي تربط حدود باكستان مع الصين وصولاً إلى ميناء

گوادر.

ان هذا الخط بعد اجتيازه إقليم اليوغور الصيني، سيدخل حدود باكستان ثم إقليم بلوشستان الساخن الذي يضم الحركات الانفصالية، والتي تسعى للاستقلال نتيجة للانتهاكات التي تقوم بها السلطة، وانعكس هذا سلباً على وضع باكستان بصورة عامة اذ تعمل هذه الجماعات على عرقلة كل المصالح بما فيها الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل لصالح الحكومة، ومن بينها شركات التعدين الصينية وايضاً الكندية شركة (Barrick Gold) التي تعمل على استخراج المعادن والتي اضطرت ان تكون كوادرها خالية من الكنديين، بسبب اعمال العنف واستبدلتهم بمواطنين باكستانيين.

ولم تجدِ هذه الخطوة نفعاً حيث استمرت اعمال العنف، بل وانتشرت خارج بلوشستان لتمتد إلى إقليم البنجاب، الذي شهد في الآونة الأخيرة عمليات اختطاف وتغييب بشكل كبير.

والمجال غير كافٍ هنا لذكر جميع تفاصيل الامن المتردي في جنوب وجنوب غرب باكستان وانعدام الخدمات بشكل كبير، فكيف لدولة أن تكون جزءاً من مشروع عملاق وأمنها الداخلي سيئ جداً؟

ولعل السؤال الأهم هو: أين الصين في اعمار ومساعدة باكستان لعقد من الزمان؟

لذلك فليس خطأً أن يختار العراق طريق التنمية، ولم يكن اعتباطاً أن تركيا الحليف الستراتيجي للصين رحبت بهذا الطريق وأطلق عليه الرئيس التركي (طريق الحرير الجديد) بإشارة منه إلى أنه بديلاً عن القديم، وهذا ما قاله لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني اثناء زيارته الأخيرة للعاصمة التركية انقرة آذار الماضي.