ما بعد الميزانية

آراء 2023/06/13
...

  رعد كريم عزيز


درج أهل الثقافة على تداول مفهوم ما بعد الحداثة, وهم يقصدون الذهاب نحو افق أوسع في أشكال الادب والفن. 

واليوم دعونا نستعير هذا المصطلح لنقول, ما بعد الميزانية لثلاث سنوات, أو بالاحرى ماذا سيحصل بعد اقرار الميزانية؟ ولن نناقش مقدار مبالغها الضخمة، كما يبين المختصون في علم الارقام, ولن نناقش التوزيع بين المحافظات والدور المرتقب لمجالس المحافظات, ولن نقترب من التوجه لإبدال بعض الوزراء والوكلاء وغيرهم, لأن كل ذلك ليس فيه جديد, أو يتحمل المفاجأة أو الإدهاش.

لأننا نعرف من خلال التجارب السابقة طبيعة الموازنات وتوزيعها، عن طريق النقاشات في الجهات الحكومية التنفيذية، لا سيما وزارة المالية, وكذلك في اروقة صراعات مجلس النواب الحزبية.

نحن نريد أن نعرف ما الذي سيحصل بعد إقرار الميزانية, من هي الجهة الرقابية, صاحبة القول الفصل في متابعة التنفيذ, ومن هي الجهة الاقوى التي تستطيع رفع سين سوف من تنفيذ المشاريع؟ هل هي النزاهة وحدها, أم لجان مجلس النواب, أم لجان رئاسة الوزراء المشكلة لهذا الغرض, أم الاجهزة الرقابية داخل كل وزارة أو هيئة؟ طبعا لا دور للرقابة الشعبية فعليا في الكشف عن التجاوزات، وعدم التنفيذ كما يحصل في تنفيذ تطوير البنى التحتية من اكساء أو مد المجاري وحتى.

ساعات التجهيز للطاقة الكهربائية وجميع الخدمات الاخرى.

ونشير كل صراحة, إلى أن الاعتماد على الآليات السابقة في الرقابة, لن ينفع في تنفيذ المشاريع الضرورية لبناء المدن بشكل عصري, مما يجعلها في خدمة المواطن, وإن مرورا سريعا على الخدمات المقدمة للمواطن في المستشفيات مثلا, نجد عاملين يسهرون على المريض (بحكم حرصهم على أجورهم ايضا)، ولكن بامكانات محدودة من الأدوية وأجهزة الفحص الضرورية, أو الخدمات المقدمة في دوائر وزارة العدل في دوائر الضريبة, والتسجيل العقاري من الاعتماد على السجلات الورقية القديمة, وارتفاع معدلات الرشى بشكل علني في الأروقة والأبواب, والسجلات العتيقة للمتقاعدين، وكأنها مخطوطات عتيقة, واذا سألت اي مواطن حين يراجع اية دائرة حكومية, فستحصل على قصص من الف ليلة وليلة في المتابعة والتنفيذ, لأن هناك آفة الفساد المالي, وهي الأرضة التي تأكل الاخضر واليابس.

إن تنفيذ فقرات الميزانية تحتاج إلى رقابة حكومية صارمة, تنزل للشارع العراقي, لتسمع من الناس, وترى بعين الحقيقة تنفيذ ماهو مكتوب على الورق, كي ترفع تقاريرها إلى الجهات الحكومية بشكل واضح, وبمتابعة متواصلة, لا كما يحصل في المعالجات الآنية للازمات (كما حصل مع تسعيرة المولدات), ولعل معترضا يقول, ومن يضمن هذه اللجنة الجديدة؟ نسوق هذا المقترح: أن تعمل الحكومة بتاسيس لجنة برواتب مجزية تبعد عن أعينهم شهية الطمع, بعد أن تطابق ما يرفعونه من متابعة, مع ما هو منفذ في ارض الواقع, وإذا دفعنا للجنة مكونة من مئات الموظفين رواتب مجزية, أفضل من ترك أموال الميزانية سائبة, ولن ينفع معها الندم وكشوفات النزاهة، التي تاتي بعد السرقات والتزوير.

كلنا نعرف حجم التحديات في تنفيذ هذه الاجراءات, ولكن اشراك القطاع الخاص واحترام الرقابة الشعبية, وابعاد المحاصصة والاعتماد على أصحاب الاختصاص, سيسهم حتما في ايجاد الحلول المناسبة للحفاظ على المال العام, لأن اهداره يعني اهدار الحق الشعبي في التمتع بخيرات الوطن، المعروف بثراء خيراته وتنوعها من الشمال إلى الجنوب.