في سيكولوجيا الانحياز

آراء 2023/06/13
...

 سعد العبيدي 


يبين الجدل الحاصل حول قانون الميزانية، والسلوك السائد في التعامل بين الانسان وأخيه الانسان، والمغالاة في سنن العشائر وأمور أخرى، إن سلوك إنساننا في وادي الرافدين من شماله حتى أقصى الجنوب، محكوم بقدر من الانحياز الرمزي للجماعة الخاصة (العشيرة، الطائفة، القومية) على حساب الانحياز المفروض إلى الجماعة العامة التي تشكل الوطن.. انحياز تفوق مقاديره كثيراً ما موجود عند أقرانه البشر، علما أنه أي الانحياز خاصية نفسية تحسب موجودة عند الجميع، لكنه موجود بدرجات متفاوتة، حتى لو أوقف سكان العالم افتراضياً على مدرج من عشر نقاط، سوف نرى أن البعض منهم يقفون عند التدرجات الأولى (واحد أو اثنان وثلاثة)، ثم يبدأ التصاعد في الوقوف أمام التدرجات أربعة وخمسة وهم الوسط السائد، ويستمر الصعود باتجاه الأرقام (تسعة وعشرة)، وبالعودة إلى الأرقام تشير الادبيات إلى أن الواقفين أمام الأرقام الأولى والوسط هم سكنة الأوطان السليمة نفسياً، الذين ينحازون أغلبهم إلى الوطن ويعملون من أجله، بينما يحسب الذين يقفون عند الأرقام الأخير متطرفون، وهم الأخطر على وحدة الوطن، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوقوف في الوسط والبداية للأبناء لم يكن وقوفاً آلياً أو بالصدفة، إذ تعمل الدول في تلك الأوطان السليمة وتخطط لغرض تقويم سلوك الانحياز والدفع به نحو الوسط والأدنى، على العكس من مجتمعنا الذي لم يفشل في جوانب التقويم، بل وتسببت إداراته المتعاقبة من غير وعي منها في الدفع به اتجاه الأعلى، حتى حل الانحياز إلى العشيرة على حساب المجتمع، والى الطائفة على حساب الدين، والى القومية على حساب الوطن، إنه انحياز من النوع التسلطي المخل نفسياً، تسبب في شيوع الاضطهاد السافر للأقليات، وانتشار الكفر في الدين والالحاد، وعرقلة خطط التنمية، وانتشار الفساد، وإعاقة عودة النازحين، وبقاء التناحر والاختلاف ناراً تحت الرماد، وأمور أخرى تقتضي من الحكومة وضع برامج تعليم وإعلام تبقي انحياز الابناء عند حدود الوسط بغية الحصول على مشاعر سليمة تبني الوطن.