نوفا كاخوفكا رسالة تحذير شديدة اللهجة

آراء 2023/06/13
...

 سناء الوادي 

 في إضاءتي المتواضعة التالية لا يهمني من المسؤول عن تفجير سد نوفا كاخوفكا، هل هم الرّوس أم الأوكران أم اللاعبون المتخفون خلف مشهد التصعيد اليومي للحرب المشتعلة، منذ عام ونيّف في الشرق من أوروبا، ولا تعنيني الاتهامات المتبادلة التي يتقاذفها كلا الطرفين، ولن أتحدث عن رقمية الخسائر المادية أو عدد الضحايا، الذين قضوا جرّاء الفيضانات التي سببها انهيار هذا السد وهو الأكبر في أوكرانيا على نهر دينيبرو، ولن أتناول مدى تأثير ذلك في بورصة الغذاء والحبوب العالمية، باعتباره المورد المائي الأضخم المغذي لشبه جزيرة القرم وشريان النجاة المتعلقة به بركة التبريد الخاصة بمفاعل زاباروجيا النووي.

سأضع كلّ ذلك جانباً، فقد استفاضت وسائل الإعلام في الحديث عنه، لكنني سأقتبس هذا السيناريو الدامي، الذي أغرق أربعين قرية موجودة على حوض هذا النهر وأسقطه على ما يجري في منطقتنا العربية – الإقليمية من خلافات بين الدول بسبب بناء السدود بشكل جائر على الأنهار العابرة لعدّة دول، دونما توقع نهاية كارثية قد تحدث من تطاول البشر على الطبيعة، أو من التلاعب والالتفاف على الاتفاقيات الدولية الناظمة لحصة كل دولة من مجرى النهر الذي يعبرها، حيث لا يوجد أي تحديث للاتفاقية التي تبنّتها الأمم المتحدة عام 1997م حول قانون استخدام المجاري المائية، للأغراض غير الملاحية، وغالباً ما تتدخل السياسة القذرة لاستخدام الماء كأبشع أنواع الضغوط السلمية لتحقيق المكاسب السياسية، فترى دولة المنبع للمورد المائي تخزن ماءه في حين يصيب الجفاف دولة المصب لتغدو ضفاف النهر جرداء تأبى حتى الضفادع العيش بها.

ممّا لاشك فيه أنّ أهمية المياه تتعاظم يوماً بعد يوم تزامناً مع الزيادة السكانية الهائلة في العشرين سنة الماضية، ناهيك عن الشذوذ المناخي الذي يشهده العالم، فضلاً عن المشاريع التنموية والنهضوية المرتبطة لحدٍ كبير بالبحار والأنهار، وكما أسلفنا حتى المحطات النووية تحتاج الماء بوفرة للتبريد.

ومن هنا زادت الخلافات وتعمقت بين جيران متشاطئين على نهر واحد يعبر أراضيهم ولهم الحق في الاستفادة منه، ولربما ذلك بسبب القصور من الجانب الدولي الملزم لهذه الأطراف بعدم قيام أي نشاط على النهر دون موافقة الجيران، فالأزمة المائية العراقية وجفاف دجلة أنهك العراقيين منذ التسعينات من القرن الماضي بينما الجانب التركي “ دولة المنبع “، يرتع بإقامة عدد كبير من السدود ضمن مشروع جي أي بي لإنشاء 22 سدّاً و19 محطة كهرومائية دونما اهتمام بحصة الجانبين الشريكين السوري والعراقي من الماء، قد تأخذ المفاوضات على زيادة الحصة المائية، منحى جديد بين بغداد وأنقرة بعد مشروع طريق التنمية الاقتصادي الهام بين الطرفين، بينما ستبقى عالقة لحين عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق المنقطعة منذ مدّة.

وفي السياق نفسه تزداد حدّة الاحتقان الحاصل بين مصر وأثيوبيا المتشاطئتين على نهر النيل العظيم، إضافة للسودان التي كانت تجمعها تفاهمات ودّية مع القاهرة على نصيب كل منهما من ماء النيل، إلا أنه ومع وعود الحكومة الأثيوبية لشعبها ببدء الإنماء والرفاه كان البدء ببناء سد النهضة عام 2011م، حيث يحجز خلفه من مياه النيل ما يعادل حصة مصر والسودان مجتمعتين مع الأخذ بعين الاعتبار عدد السكان الكبير في مصر، ومع التعنّت المستمر لدى أديس أبابا لملء الخزان، ما يحرم المصريين وأراضيهم من سرّ الحياة، وما يرافق ذلك من التوتر العابث بأمن السودان واستقراره، مما سينحيه جانباً في قادم الأيام، وهو الذي كان يقف إلى جانب مصر في وجه أثيوبيا، بالتأكيد هذا سيؤجج غضب الدولة المصرية، والتي قد تقصف السدّ باي لحظة إذا ما استجابت للرغبة الشعبية.

وذلك ما يحدث هذه الأيام بين الجارتين إيران وأفغانستان الشريكتين بنهر هلمند فقد ينبئ الخلاف بصيف ساخن، ففي حين أنه ينبع من جبال هندوكوش الأفغانية ويصب في بحيرة هامون الإيرانية، إلا أنّ كابول بعد بنائها لسد كمال خان عام 2014م الذي مكّنها من توليد الكهرباء والاستغناء عن طهران والضرب بعرض الحائط الاتفاقية، التي جمعتهما بأن تأخذ الجمهورية الإسلامية الماء وبالمقابل توّرد الكهرباء لأفغانستان، وعلى ما يبدو أن الأخيرة بعد خروج القوات الأمريكية من أراضيها بدأت فعلياً بالعمل على إنشاء مشاريع جديدة على النهر، وبالطبع هذا ما جفف نهر هلمند في الجانب الإيراني، حيث تبادل الطرفان مؤخرا التهديدات والوعود بالحرب المسلّحة، ولربما الاشتباكات التي جرت على الحدود وأوقعت الضحايا نذير ذلك.

بالعودة لبداية إضاءتي فقد تستخدم السدود كجزء من الخطة العسكرية لقطع الإمداد عن العدو ووقف تقدمه كما هي الحال في أوكرانيا، أو قد تكون هي الشرارة التي ستشعل حرباً طاحنة لا تبقي ولا تذر، وفي كلتا الحالتين قد يسبب ذلك كارثة بيئية لكنّ حماقة السياسيين هي التي ستصنعها.