حسن العاني
منحني تقدم العمر، الشيء الكثير من الوعي والتطور الثقافي، مثلما منحني الشيء الكثير كذلك من التجارب الحياتية والخبرات والمعارف، وهذه ليست ميزة شخصية أتمتع بها لوحدي، إنما هي سمة إنسانية تشترك فيها ذرية بني آدم، بغض النظر عن بيئتها ولون بشرتها وتكوينتها البيولوجية، مع الاقرار بأن هناك تبايناً في حجم ونوع التجارب والخبرات والمعارف... وفي مستويات الوعي والتطور الثقافي بين شخص وشخص
آخر.
في هذا المجال يصح القول إن لغات العالم جميعها بلا استثناء تلتقي بالعديد من المشتركات، لعل اشهرها تلك التي ندعوها (المتقابلات)، أي مفردة تقابلها مفردة، وكل واحدة منهما تذهب الى معنى خاص بها، من ذلك على سبيل المثال (أسود– أبيض)، حيث لا شيء يقابل اللون الاسود ويقف في الطرف المواجه له سوى اللون الابيض، وقيل مثل ذلك (ليل– نهار أو طويل– قصير)، ويمكن الاتيان بمئات المفردات
المتقابلة.
واضح جداً أن التقابل لا يعني بصورة من الصور، أن هذه المفردة هي ضد المفردة التي تقابلها أو بالضد منها، ومع ذلك كان معلمو اللغة الانجليزية على (أيامي) في العقد الخمسيني من القرن الماضي، يطلقون على كل مفردتين متقابلتين اسم (المتعاكسات)، أي الواحدة عكس الأخرى أو بالضد منها، على غرار (يمين– يسار) (أمام– وراء) (أعلى– أسفل).. ولم نسأل يومها بسبب أعمارنا الصغيرة، لماذا هذا التضاد بين الاتجاهات مثلاً، اليمين واليسار أو الشرق والغرب.. إلخ ولماذا السمين ضد الضعيف أو النحيف، ولماذا الذكي ضد الغبي.. وتقول ذاكرتي إن معلمينا تولوا تحفيظنا عدداً من المفردات ليس بينها أي مبرر أو سبب مقبول للتضاد، من ذلك (أب– أم) (أخ– أخت) (صغير– كبير).. ربما كان التضاد الصحيح هو بين مفردتي (زوج– زوجة)
فقط!
بالطبع هناك مفردات متقابلة، وتقابلها قائم فعلاً على الضد والتضاد، وعلى مفهوم المتعاكسات، مثل (حق– باطل/ عادل– ظالم/ كريم– بخيل/ وطني– عميل/ شجاع– جبان).. إلخ، ويلاحظ أن هذا النوع من التضاد شائع في الصفات عادة، وأعني بذلك الصفات المعنوية والأخلاقية، أكثر منها الصفات الخلقية والجسدية كالأبيض والأسود، والطويل والقصير..
إلخ.
على أية حال، فإن ما يستحق الاشارة هنا هو إن التقابل اللغوي لا يقضي بالضرورة أن يكون مفردتين، حيث يمكن أن يكون بين عبارة وعبارة، أو بين جملة وجملة، من ذلك قولنا: منذ أكثر من عقدين حقق العراق (أعلى) نسبة في إنتاج النفط، و(أوطأ) نسبة في تقديم الخدمات.