الابتسامة

آراء 2023/06/14
...






 طالب سعدون

في المناسبات السعيدة واللقاءات والرسائل التي نتبادلها يوميا، نتمنى لبعضنا أمنيات كثيرة وأحبها إلى النفس ما كان قريبا من الحال ويسعد البال.. امنية وجدت فيها غرابة.. هي صفة للانسان دون غيره من الكائنات.. هي دعوة ودعاء (بأن يكون الانسان ليس قادرا على الابتسامة فقط، وانما أن يمنحها لمن حوله كذلك).. هذا يعني ان للابتسامة تأثيرا ليس على الشخص المبتسم فقط بل على المحيطين به كذلك.. تجعل من المحبط إيجابيا ومن الحزين سعيدا وتنشر اجواء المودة والحب
والألفة.
أمنية قد تبدو صعبة التحقق وغير واقعية ولا تنسجم مع ما تعيشه البشرية اليوم من مآسٍ مروعة، كأنها موزعة بين العالم (المتقدم والمتخلف) بالتساوي بين حروب ووباءات ومخدرات وفقر وقلة موارد، وحكام قدموا مصالحهم على مصالح شعوبهم، فنقضوا العقد الاجتماعي، الذي ينظم العلاقة بينهم وتنازل فيه المحكوم والمنقاد للحاكم عن بعض حرياته وحاجاته، وفرض على نفسه التزامات مقابل حاجات أساسية، ينبغي على الحاكم توفيرها له، وفي مقدمتها العمل والأمن والخدمات والرعاية الاجتماعية والحريات والكرامة، التي تحفظ انسانيته وتصون سيادة بلاده.
وهنا يبدو الفرق بين الحكام العظام، التي خلدتهم اثارهم العظيمة، وحققوا نجاحات اسطورية كتبوها في التاريخ بأحرف من ذهب، وبنوا دولا قوية خلال سنوات قليلة وآخرين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة فتركوا وراءهم الخراب والدمار وتطاردهم لعنة شعوبهم.
نعم الابتسامة صفة انسانية.. لكن كيف يبتسم من حرم من أبسط حقوقه الإنسانية..؟
كيف يبتسم من لا يجد قوت يومه أو يعجز عن توفير قيمة ثلاثة امبيرات للإنارة فقط من المولدات الأهلية على سبيل المثال، وليس للترف والتمتع بالهواء المنعش اللذيذ من اجهزة السبلت واجواء المكيفات العملاقة وغيرها من وسائل الراحة، التي يتمتع بها الاغنياء واللصوص وهي أبسط حقوق الإنسان، أو يضطر الطفل إلى ترك المدرسة، ويحرم من نعمة العلم لفقره ويدخل إلى معترك العمل وهو في سن يافعة؟.. تلك أمور تتقاطع مع حق الإنسان في الحياة، وتعد اعتداء على حقه، في ( مخالفة صارخة) لحكم الله.
 لذلك قد تبدو أمنية من تمنى لمن يحب (أن يكون قادرا على أن يمنح الابتسامة لمن حوله) غريبة على عالم اليوم، وليست من سماته، رغم أنها تختصر صفات الانسان كلّها منذ الازل، وبها يأنس، وبها يثاب أيضا، امتثالا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة)..
ولكن هل يمكن لك أن تمنح غيرك ما تفتقده أنت..؟..
تلك هي الصعوبة في المعادلة، وتصل إلى حد الاستحالة في بعض الحالات، عندما تتحول الابتسامة إلى (تكشيرة) حقد وتهديد وانفعال على الوجوه، تنسف عنها طبيعتها، وتكون من سمات كائن آخر، ويتحول بسببها من (اجتماعي بالطبع ) كما عرفه علماء الاجتماع إلى ما هو ضدها من صفات، فيكون نافرا، وليس أليفا، وانفراديا بدلا من أن يكون أنيسا، ومنعزلا ويكره المخالطة والعشرة، بدلا من أن يكون إنسانيا وسهل المعشر والتوادد، وما إلى ذلك من المرادفات والاضداد التي ضمتها معاجم وقواميس اللغة.
والواجب الانساني يفرض أنه إذا أخفق المسؤولون من أن يمنحوا الابتسامة لشعوبهم، فلا تبخل بها، فينبغي على الانسان ألا يبخل بها على المحتاجين والايتام والمعوزين، لكي يرسم البسمة على وجوههم.. فهذا الطبيب البرازيلي وجد في علاج أسنان الفقراء غير الصحية في بلاده وسيلة لاعادة البسمة إليهم، بعد أن كانت أسنانهم تحول دون ابتسامتهم، ومن ثم قرر أن يكمل مشواره في أفريقيا لعلاج اسنان الفقراء وتجمليها دون مقابل لكي تعلو الابتسامة وجوههم مثل الآخرين.