سيدي المواطن

آراء 2023/06/15
...

 نرمين المفتي 

اذا لم تخني الذاكرة، ففي 2007 وفي حوار مع احدى الفضائيات، بعد اقرار الموازنة، حذر وزير المالية حينها (باقر جبر صولاغ) بأن العراق سيكون مفلسا في 2030 في حال استمرار النسبة التشغيلية مرتفعة في الموازنات العراقية، وأشار إلى المبالغ المخصصة كرواتب للموظفين وللمسؤولين على اختلاف درجاتهم.

قطعا لم يكن عدد الموظفين والدرجات الخاصة والمستشارين حينها بهذا العدد الموجود اليوم، فضلا عن الدرجات التي خصصت للتعيينات في الموازنة الجديدة.

ولو استمع مجلس النواب والمسؤولون اليه، لكانوا بدؤوا منذئذ العمل على تنشيط القطاعين المساهم والخاص واللذين كانا سيشكلان موردا لخزينة الدولة وفرصة لتشغيل عشرات، وربما مئات الآلاف من الايدي العاملة وبرواتب مجزية، ولم تترك اية فرصة للمطالبة بالتعيين في المؤسسات العامة، ولكن من يسمع؟ إن كان الهدف هو الوصول إلى مجلس النواب وافضل وسيلة لجمع الاصوات هي الوعد بالتعيينات أو كما أصفها شخصيا بتعيينات الاصوات.

وجمل اعتراضية لا بد منه تشير إلى النواب الذين كانوا يبثون “مباشر” من داخل مجلس النواب البشائر إلى جمهورهم في “حملة” دعائية واضحة لانفسهم، برغم من عدم وجود اية أخبار عن انتخابات مبكرة، الا اذا كانوا يحاولون الدعاية لكتلهم السياسية الانتخابات المحلية! ولم اجد سببا لنشر العشرات من صور “السيلفي” والتي لم تظهر اية علامات تعب على اساس أن المناقشات بعد منتصف الليل أو تركيز، خاصة أن تلك المناقشات كانت تتضمن أرقاما هي أموال لا بد أن يعرفها جيدا كل نائب قبل أن يرفع يده بالموافقة، انتهت جملي الاعتراضية وأعود إلى الموازنة، والواضح مرة أخرى اعتمادها بالدرجة الأساس على النفط وأتساءل أين هي الموارد الأخرى، وأهمها الاستثمار؟ إن كان العراق، كما يقال، طاردا للاستثمارات الخارجية، عدا النفطية؟ اين هي واردات الاستثمارات الداخلية، وهناك مشاريع استثمارية كبيرة ومن بينها الاسكانية واين هي واردات البوابات الحدودية البرية والجوية والبحرية، وهناك واردات اخرى كثيرة لو تم الانتباه اليها ومن بينها السياحة الدينية، خاصة أن في العراق مواقع دينية مقدسة للعديد من الديانات وليست الاسلامية فقط. لا بد من الاشارة إلى أن الضريبة وارد مهم جدا، وهناك دول كبيرة بصناعاتها وصادراتها، تشكل الضريبة موردها المالي الثالث أو الرابع، فالضريبة واجب كل مواطن في تلك الدول التي تعتبر التهرب من دفعها جريمة مخلة بالشرف، ولكم ان تتخيلوا ما هي عقوباتها القانونية على الذين يسرقون اماناتها الضريبية، أو على المخمنين الذين يتلاعبون بقيمة الضريبة بالرشاوى.

وفي مقابل دفعه للضريبة، يتمتع مواطنو تلك الدول بكل حقوقهم من الخدمات العامة والتأمين الصحي والاجتماعي وجودة التربية والتعليم والمحافظة على البيئة وتوفير رواتب للعاطلين عن العمل يجب أن تغطي تكاليف المعيشة في حدها الادنى. ومن الحقوق المهمة للمواطن هناك أنه يستطيع أن يحاسب الحكومة في حال اثبات حالة فساد، مثلا أن يستخدم الوزير مركبة خاصة بمكتبه بعد انتهاء الدوام الرسمي، لأن بعض أثمان هذه المركبات من الضريبة التي دفعها، ثم أن الشرطي أو أي موظف خدمة آخر في اي موقع لا يناديه الا اذا سبق اسمه بـ (سيدي)، مرة أخرى لأنه دافع ضريبة. أكرر أن الضريبة واجب كل مواطن لديه دخل ولكن ازاء ماذا؟ أين هي الخدمات العامة والتأمين الصحي والاجتماعي وجودة التربية والتعليم وغيرها وغيرها من الحقوق التي لا بد الحكومة، اية حكومة أن توفرها للمواطن، ولا اشير إلى قضايا تعبنا من الاشارة اليها مثل الكهرباء والماء. الدول الثرية ليست كذلك لامتلاكها ثروات طبيعية هائلة، انما هي ثرية بامتلاكها لخبرات عملية ومهنية متراكمة تعمل لاجل رفاهية شعوبها، وقوانين تطبق بغض النظر عن مرتكب الجنحة أو الجريمة وجامعات رصينة، ترمز في دراساتها العليا على تحسين المجتمع علميا واجتماعيا وسياسيا أيضا.