من يعمل على التأسيس لإحصاء ثقافي عام؟
استطلاع: صلاح حسن السيلاوي
الحديث عن تطوير الحياة الثقافيّة ومجالاتها في البلاد، لا يستند إلى قاعدة بيانات عن واقع المشهد الثقافي، لا نملك إحصاءات لأعداد المؤسسات الثقافيّة الحكوميّة والأهليّة العاملة في مجالات الأدب والفن والتراث واللغة، لا إحصائية للمؤلفين على مستويات تنوعهم، لا نعرف عدد الشعراء، ولا كتاب القصة والرواية والمسرح، لا عدد الممثلين في السينما والتلفزيون، لا كتاب الدراما والسيناريو، ولا أعداد البنايات الثقافيّة، ولا الأموال التي تصرف على الجهد الثقافي من قبل الدولة أو الجهات الثقافيَّة.ليس هنالك منشور ولا كتاب ولا جهة، قدمت لنا هذه الإحصاءات ونشرتها في جريدة أو موقع الكتروني، ليستفيد منها الباحثون، أو لتضع على أسسها الجهات الحكومية أو المؤسساتية برنامجاً ثقافياً، يستند إلى أسس الحاجة والفعل. في سبيل لفت انتباه الجهات المعنية، من مؤسسات ومثقفين في جميع المجالات على ذلك، تساءلت في حضرة نخبة من مبدعينا فقلت: ما رأيك بكل هذا؟ أليس على الجامعات والمؤسسات الثقافيّة الحكوميّة والمستقلة، أن تعمل على إنجاز ذلك؟ ما دور وزارة الثقافة واتحاد الأدباء ونقابة الفنانين في هذا الشأن؟ ما أهمية توفر تلك الإحصاءات في العمل الثقافي برأيك؟.
خطط مركزيَّة لقيادة الثقافة
الشاعر رياض الغريب، يرى أنّ الإجابة عن هكذا تساؤلات جوهريّة، تمسك باللحظة الراهنة للواقع الثقافي في العراق، إذا اعتبرنا الثقافة همّا وطنيا وليس فرديا أو همّا تعنى به مؤسسة ما، تشتغل في الثقافة باعتبارها نتاجا جمعيا، يعتمد على الأفراد الذين تجمعهم مؤسسة ما، بفكرة أكبر هي الانتماء لروح الثقافة وجوهرها، وليس لجهة ما قد تكون داعمة أو مهيمنا فكريا وايديولوجيا يقود توجهات تلك الثقافة، على حد تعبيره.
وأضاف الغريب مبيّنا: من هنا يكون الجواب على كل الأسئلة، التي تم طرحها حول البيانات والإحصاء، لتكون مرجعا للباحثين والدارسين وأيضا للمؤسسات المعنية، وليس العشوائية والتي بدأت تظهر تحت مسمّيات وتوجهات أحيانا تكون بعيدة عن روح الثقافة الحقيقيّة، إذا تحدثنا عن التحولات الكبرى التي تحصل في الفكر والثقافة العالمية، وليست المحلية، كل الدول تهتم بالاحصاء لتكون الجهات العليا قادرة على وضع خطط مركزية، لقيادة الثقافة بالشكل الصحيح، وهنا نقول الدولة ممثلة بوزارة الثقافة، غير معنية نهائيا بهذا الأمر ولم نسمع عن لجنة شكلت لهذا الغرض، لذا في كل موازنة عامة للبلد لم نسمع عن أموال مخصصة للثقافة، بشكل حقيقي وجوهري والسبب عدم وجود رؤية حقيقية للدولة وغياب الاهتمام الحقيقي بهذا المفصل المهم، كون الكثير من الجهات المسيطرة على القرار غير معنية بالثقافة، باعتبارها الداعم الاول للثقافة بشكل رسمي، لهذا علينا ان نشكل ورقة ضغط على الجهات المعنية لتشكيل لجان تتعاون مع كل المؤسسات الثقافيّة، للوصل الى احصاءات دقيقة تعتمد العلمية والحداثة التكنولوجية لتكون مرجعا للباحثين وايضا للدولة لدراسة الاحتياجات المطلوبة لتطوير الثقافة والرقي بها باعتبارها المنفذ الوحيد لبناء الإنسان والمجتمعات.
مديرية إحصاء ثقافي
الشاعر شلال عنوز، أشار برأيه إلى أن الحديث عن الحياة الثقافية في العراق، ووضع قاعدة بيانات لواقع المشهد الثقافي، يحيلنا إلى التفكير بدور ريادي مهم تضطلع به مؤسسة محورية في الدولة، تأخذ على عاتقها القيام بهذا العبء، والاستعداد لهذه المسؤولية المهمة، وتستوعب هذا الجهد عمليا وفنيا، لافتا إلى أن هذه المؤسسة هي وزارة الثقافة، كونها الجهة الحكومية في الدولة، التي تعنى بالجانب الثقافي والفكري، وترصد لها الأموال في ميزانية الدولة والتي يكون لزاما عليها الاضطلاع بهذه المهمة واستحداث مديرية خاصة لتقوم بهذا الجهد وتضع برنامجا يستند على الحاجة سواء على مستوى البنايات أو البرامج الثقافية التي يجب أن يكون من مهامها المفصلية التنسيق مع الجامعات والمراكز الثقافية والبحثية لتقوم بوضع احصاءات دقيقة.
وأضاف عنوز موضحا: تلك الإحصاءات الدقيقة يجب أن تستهدف أعداد المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية العاملة في مجالات الأدب والفن والتراث واللغة وأعداد المؤلفين والأدباء بمختلف تنوعهم الأدبي في الشعر والقصة والرواية والفنانين على اختلاف مشاهدهم في الرسم والمسرح والسينما والتلفزيون والموسيقى والغناء وكتاب الدراما والسيناريو، فضلا عن قيامها بالتنسيق مع المؤسسات الثقافية التي تعنى بالمثقفين والأدباء والفنانين كاتحاد الأدباء ونقابة الفنانين ودعم هذه المؤسسات كي تقوم بواجبها الأمثل كما يجب في أنشطتها المختلفة وأرشفة هذه الأنشطة كي يرجع لها الباحث في هذه المجالات.
حقيقة كانت هنالك محاولات جادة من بعض الأكاديميين والمؤلفين في وضع تراجم مهمة للأدباء والفنانين والكتاب يستفاد منها حاليا في مجالات البحث العلمي ولكنها محاولات محدودة لم تستوعب الأعداد الكبيرة من المبدعين بسبب التمويل المحدود، وبحاجة إلى أن تأخذ وزارة الثقافة على عاتقها اعداد وطبع دليل الأديب والفنان العراقي ورقيا بشكل راقٍ وأنيق ونشره في المواقع الألكترونية المهمة ليكون مرجعا مهما للباحثين والمؤلفين ووضع بين يدي الباحث ما يمكنه من معرفة الأموال المصروفة على الأنشطة الثقافية ولمختلف الفعاليات والمهرجانات.
معيارٌ للشفافيَّة والعمل
الناقد والسينارست سعدي عبد الكريم، تحدث عن عملية تطوير الحياة الثقافية في العراق والنهوض بها صوب ملاحق التحضُّر والرفعة، بوصفها مهمة من المهام الأساسية، التي تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها المعنية، كوزارة الثقافة التي يرى عبد الكريم، أنها لم تلعب دورها الريادي، على الرغم من وجود بعض الطفرات في مواردها التشجيعية التي احتوت بها المثقف، لكنها لم تقدم له، ولعموم الثقافة ما يشفع لها من محاولات في رفع مستواهما على صعيد الدعم والمساندة، على حد تعبيره.
وأضاف عبد الكريم موضحا: هذه العملية تحتاج إلى معطيات عملية، ومعايير علمية تشتغل عليها الوزارة بجديَّة، وبمُعاضدة نقابة الفنانين، واتحاد الأدباء، في تقديم عرض مُفصَّل عن اعداد الأعضاء المُنضوين تحت مظلاتهم، ويأتي هذا الجهد الذي يقع بالدرجة الأساس على وزارة الثقافة من خلال تهيئة قاعدة بيانات بأعداد المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية، من اجل تقديم الدعم لها، وتذليل الصعوبات التي تعترض عملها في الحراك الثقافي والأدبي والفني، وعلى حدّ علمي فإن المسؤولين في اتحاد الأدباء، ونقابة الفنانين قد أعدوا تلك البيانات على وفق مناطق الاشتغال الاختصاصية للأديب والفنان العراقي، مما أسهم في تقديم يد العون لأعضائها ومساعدتهم في التغلب على قسوة
الحياة.
ويمكننا الإشارة هنا.. إلى أن مهمة نشر هذه المعلومات على وفق قواعدها البيانية هي المعيار الحقيقي للشفافية، ومن ثم فهي فعالية مهمة في رفد النتاج الثقافي ودعمه، ليتسنى للمختصّ كتابة أبحاث ودراسات، وطرحها بشكل مفصَّل لتكون عونا في رفد الحراك الثقافي، من خلال الضغط على مؤسسات القرار في الدولة، لانتشال المثقف والثقافة العراقية من واقعهما المؤلم، والشديد البؤس، والذي إذا ما قارناه بالوضع الثقافي في أية دولة، ستكون حصيلة النتائج ليست لصالح الثقافة العراقية، وتأتي هذه الفروق الجوهرية في المشغل الثقافي على وفق معايير تدني الدعم من قبل الدولة، والتخلي عن المثقف والأديب والفنان العراقي، وتركهم من دون واعز من ضمير المسؤولية، ليكونوا عرضة للضياع، وربما إلى فقد الهوية الثقافية العراقية التي عُرفت منذ النشء الأول للأحياء بديمومتها الفاضلة، وفي فضلها النبيل، على البشرية جمعاء في التدوين، فالعراقي هو المُدوّن الأول الذي علَّم الكون كيف يكتب الحرف.
ظلال العشوائيَّة على المشهد الإبداعي
الشاعر الدكتور عماد الحيدري، في بداية حديثه أشار إلى ضرورة الاعتراف بأن المؤسسة الثقافية في البلاد، أصابت المثقفين بخيبة الأمل بعد أن عجزت عن لم شتاتهم تحت خيمةٍ منظمةٍ واحدة هي خيمة الإبداع الحقيقي الذي يحفظ كرامة المبدع ويتبنى تعريفه لجمهوره لا الإبداع المبني على أسس التزلف المقيت.
لافتا إلى أن مرور أكثر من عقدين على الخلاص من النظام الشمولي الذي حارب المثقفين وشتتهم في شتى بقاع المعمورة لم يفضي إلى نجاح هذه المؤسسة التي ما زالت تعاني من التخبط والعشوائية والفوضى العارمة على حد وصفه، تلك الفوضى التي ألقت بظلالها على المشهد الإبداعي للمثقفين المنتجين إذ لا وجود لخطة عمل ولا لقاعدة بيانات ولا لبرنامج ثقافي قادر على انتشال الثقافة والمثقف من وادي الإهمال مما له الأثر السلبي على المبدع الحقيقي.
وأضاف الحيدري قائلا: ما زال المبدع يرى نتاجه حبيس الرفوف واسمه يتلاشى، وسط هيمنة واضحة للمنتفعين الذين تنتعش أسماؤهم كلما زاد التخبّط واستفحلت الفوضى في إدارة مفاصل الثقافة.
من هنا يتوجب على المعنيين بالشأن الثقافي ولا سيما أولئك الذين يؤلمهم هذا المآل أن يشرعوا بتأسيس مؤسسة قائمة بذاتها ذات كيان معنوي مستقل تحت رعاية وزارة الثقافة وإسناد المؤسسات الثقافية الداعمة مثل اتحاد الأدباء ونقابة الفنانين تأخذ على عاتقها إنشاء قاعدة بيانات شاملة تحصي المؤلفين والفنانين والأدباء وتوثق جهودهم ومنجزاتهم الإبداعيّة على وفق مسح ميداني واسع النطاق شريطة أن يتم تحديث هذه القاعدة سنويًا.
ولا يخفى على لبيب ما لهذه القاعدة الإحصائية من حاجة ماسة في الوقت الحاضر نظرًا للتطور الهائل الذي شهده العالم في مجال التخطيط لتكون الجدوى متعلقة بإعداد البرامج الثقافيّة التي ستنتعش بوجود مثل هذه القاعدة فضلًا عن ذلك فإنّ هذا الإحصاء تتأتى أهميته في ضمان حصول المبدعين الذين يتحاشون الأضواء الزائفة ويتجنبون مسح الأكتاف على استحقاقاتهم الطبيعية في طباعة منجزاتهم مثلًا وتسويق نتاجهم الفكري والأدبي أو في المشاركات الخارجية وغير ذلك مما يؤدي إلى نيلهم مكانتهم المستحقة فضلًا عن رعايتهم واحتضانهم جزاء خدمتهم لبلادهم على مستوى الفكر والثقافة.
قنوات إحصائيَّة ودراسات منهجيَّة
الشاعر حسين خليل عبد الحسن قال: تتكون بداية كل نهوض من الفعل الثقافي التنويري، الذي ينعكس على الحركة الاجتماعيَّة المنتجة والمؤثرة، وهذا لا يأتي من فراغ وعشوائيّة الإبداع، حيث يجب أن تمر بمراحل (المعالجة) ضمن معادلة (المدخلات والعمليات والمخرجات) وهنا تظهر الحاجة للإحصاء والفرز والتقويم، ثم إعلان البيانات التي تصبح في العادة مادة للتحليل العلمي الثقافي.
ما يدعو للقلق، في البلد عشوائية الفعل والذي يتسم بالفردية أو الجماعية الحائرة، من دون وضع هذه الحركة ضمن الإطار التنظيمي المخطط له، هذا القطاع لا يختلف عن القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي يتم التخطيط لها ومتابعة النتائج ومقارنة ما إذا انحرفت عن مسارها، لم نجد ذلك في المؤسسات الثقافية وانها تكتفي بحركتها ووجودها من دون عمل احصاء للموارد البشرية وتدفق نتاجها الثقافي ومن ثم تصدير النتاج.
وأضاف عبد الحسن مبينا: لو سلّمنا بوجود إحصاء للشعراء والكتاب والباحثين المنضمين للاتحادات، فهل يتم تصنيفهم للمجتمع كظواهر ثقافية مؤثرة؟ المشكلة تتعاظم في الهامش الذي لم ينتم لهذه المؤسسات النقابية، كما أن التعويل المطلق عليها كمؤسسات معنية بالفعل الثقافي وحدها من دون ربطها مع بعض يربك البيانات.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أن اكثر الفاعلين ضمن المشهد الثقافي، لم يتم ضمهم كاعضاء وتصنيف نتاجاتهم كشاهد على هذا الحراك في مجتمع غزته الأيديولوجيات والمرجعيات الثقافية، أن تأثير الأفراد أصبح يشكل عبئا أكبر بعد تعاظم دور الرغبة في قيادة الرأي العام من قبل أشخاص يسيطرون على المشهد التواصلي الاجتماعي وترك هذه التفاصيل سائبة يشكل خطرا.
نسمع هنا وهناك عن موسوعات يصدرها أفراد متطوعون لكن إلى أي مدى تعكس هذه الموسوعة صورة الواقع الأدبي والثقافي، وما مدى الحقيقة التاريخيّة للمنجز الثقافي وما قيمته في التأثير.
ما نحتاجه اليوم هو التدخل الحكومي من خلال القنوات المعنية اتحاد أدباء نقابة الصحفيين الفنانين إلى آخره، ومن ثم تسلم المدخلات وصبّها في قنوات إحصائية وتحليلها في دراسات منهجية والاعتماد على المختصين في هذا المجال ويتبادر للذهن هل هناك إمكانية لتصنيف المبدع ضمن المؤسسة الثقافيّة وهل يمكن إعطاء إشارة إلى المنجز لتبيان مدى اهميته للفرد كمتلقٍ للجملة الإبداعيّة. الموسوعات الثقافية يجب أن تكون في بيانات ثقافية حالها حال البيانات الاقتصادية لوزارة المالية، وهنا لا بدَّ من القول إن وزارة الثقافة في العراق دورها لم يتجه لصياغة خط ثقافي منتج يضم الفعل الكتابي والسلوكي ومن ثم ضخ فعل مقصود
في المجتمع.