عدوية الهلالي
اصدر الكاتب الامريكي دينيس ليهان رواية رائعة عن أمريكا في فترة السبعينيات، أمريكا التي لا يريد الفصل العنصري أن يموت فيها. ورواية «الصمت» الصادرة مؤخرا عن دار غاليمار الفرنسية للنشر هي تحفة فنية خالصة وكتاب عن أمٍّ شجاعة تواجه النظام الذي يهدد أطفالها.
وقد صدرت هذه الرواية بعد ست سنوات من انتظار القرّاء بفارغ الصبر فكل كتاب من كتب دينيس ليهان هو بمثابة حدث استثنائي، وها هو مؤلف كتاب (جزيرة شاتر) و (النهر الغامض) يعود بعمل تاريخي، بعد ما يقرب من ست سنوات بعد الغياب. وتدور أحداث الرواية ماري بات فينيسي، وهي امرأة من حي الطبقة العاملة البيضاء في ساوثوي (جنوب بوسطن)، وهي شخصية حقيقة مذهلة ومؤثرة. ذات شخصية قوية، ومقاتلة، ولا تستسلم أبدًا.
ومع ذلك، فإنَّ الحياة لم تكن أبدًا لطيفة مع من فرضت وجودها حتى لا تجرفها الحياة. فعندما تختفي ابنتها جولز، ينهار جزء منها ويبقى جزء آخر يصارع. إنَّ غضب ماري بات هنا هو غضب ملحمي. ومع هذا الغضب والعزيمة، ستهز بيئتها الاجتماعية
بأكملها.
ففي صيف عام 1974 في ضاحية جنوب بوسطن الأيرلندية، يعيش السكان البيض بتقتير، ومن بينهم ماري بات فينيسي التي تفعل ما في وسعها لتربية ابنتها الوحيدة. وعندما يأمر قاض فيدرالي بإلغاء الفصل العنصري في المدارس في منطقة بوسطن، فهو يفرض نقل التلاميذ من الأحياء البيضاء إلى المدارس الموجودة في الأحياء السوداء والعكس صحيح. لتطبيق المزيج العرقي بالقوة. وهنا تقوم مظاهرة كبيرة ضد النقل
بـ «الحافلات».
هنا تفكر ماري بات: لماذا لا يتركون الجميع في أماكنهم؟ فهل كان في تفكيرها شيئا من العنصرية؟ وهل تكره السود؟ لماذا تؤيد الفصل؟ ولماذا يأتي السود إلى حي فقير للبيض؟
فجأة، تكتشف ماري بات بأنه في ليلة اختفاء ابنتها، كان قد قتل شاب أسود لاصطدامه بقطار في ظروف مريبة. وكان الولد الصغير هو ابن زميل أسود لها فلم تكن تعتبره «صديقا». ولكنها تفكر في نفسها.. هل إن هذين الحدثين مرتبطان؟ وهكذا، يتصدع عالم ماري بات وتنكشف فيه العيوب ويولد من ألمها الصامت العظيم تعطّش للعدالة والاصلاح، الأمر الذي سيهز البنية الاجتماعية برمتها. وبقلبها المنهار، ستواجه شجاعة الأم نظامًا سيلتهم أطفالها.
في هذه الرواية، تمكن الكاتب دينيس ليهان، الذي يدعي أنه عانى من هذه الصدامات والمظاهرات عندما كان في التاسعة من عمره، من العثور على كلمات بسيطة للتعبير عن كل التعقيدات في أمريكا، وبوسطن على وجه الخصوص خلال السبعينيات. وبفضل كتابته السلسة، وجمله القصيرة والقوية سيفكك نسيج الكراهية ويشير إلى المنتفعين منها في هذه الرواية الضخمة.
دينيس ليهان هو كاتب امريكي من مواليد 1965، نشر أكثر من اثنتي عشرة رواية.. تم تحويل أربع من رواياته الى أفلام تحمل نفس الأسماء هي (النهر الغامض ) من اخراج كلينت ايستوود عام 2003، وجزيرة شاتر للمخرج مارتن سكوريزي عام 2010، و(ذهب طفلي ذهب) عام 2007 و(العيش ليلا) عام 2016 وكلاهما من إخراج بن أفليك. كما تم أيضًا تعديل قصته القصيرة، «انقاذ حيوان» في فيلم (القطرة).
تخرج ليهان من مدرسة بوسطن الثانوية والتحق بكلية إيكيرد حيث اكتشف شغفه بالكتابة، واكمل الدراسات العليا في الكتابة الإبداعية في جامعة فلوريدا الدولية. فازت رواية ليهان الأولى، مشروب قبل الحرب (1994)، بجائزة تشاموس لعام 1995 لأفضل رواية أولى. كما فازت رواية (النهر الغامض) بجائزة أنتوني وجائزة باري لأفضل رواية، وجائزة ماساتشوستس للكتاب في الرواية، وجائزة إدغار وجائزة ميستير للنقد في
فرنسا.
تم تعديل قصته القصيرة (جوين) إلى مسرحية بعنوان (كورونادو). وتم اختيارها كواحدة من أفضل القصص القصيرة الأمريكية وأفضل القصص القصيرة الغامضة لعام 2005. أما روايته التاريخية (اليوم الموعود) فقد استمرت كتابتها لمدة خمس أو ست سنوات، وتتناول إضراب شرطة بوسطن عام 1919 والذي غير كل شيء وكان له تأثير كبير على الحركة النقابية، ثم أصدر رواية «الحوت الأبيض العظيم» التي حققت نجاحا كبيرا.
وبعد أن حقق نجاحًا أدبيًا، قام ليهان بالتدريس في العديد من الكليات، وتم منحه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب الإنسانية من كلية ايكيرد وعُين في مجلس أمناء ايكيرد في وقت لاحق من
ذلك العام.