سعاد الجزائري
في بداية السبعينيات التحقت بالجامعة المستنصرية، وهي الجامعة الأهلية الوحيدة آنذاك، وأتذكر الازمة التي أمر بها حينما يحين وقت تسديد الاجور السنوية. لكن هذا العبء قد زال عندما تم تأميم الجامعة بعد سنتين من التحاقي بها، فأصبحت حكومية، وبهذا لا وجود لأية جامعة أهلية في ذلك الزمن. كان مستوى التعليم بالعراق في المرتبة الاولى بين الدول العربية، إن لم أكن مخطئة وتليها سوريا، ولهذا درس وتخرج من جامعاتنا مئات الطلبة العرب، ليقينهم أن جامعاتنا هي الافضل.
ولم يدخل الطالب العراقي يومذاك معاهد تقوية لاستكمال مادته المقررة، ولم تدفع العائلة العراقية الدنانير يومذاك والملايين بهذا اليوم أجورا لتلك المعاهد والكليات الاهلية، التي زاد عددها على الحكومية.
تدنى مستوى التعليم بالعراق قبل 2003 بسبب الحروب والحصار والمحسوبيات الحزبية، فدرس الماجستير والدكتوراه، ليس الذي جدّ وبذل جهدا في الحصول على أعلى المعدلات، وانما من كان بعثيا ومقربا من البعث، واليوم تدنى مستوى التعليم إلى أدنى مستوياته، بالوقت الذي صار أغلبية الطلبة يحصلون على معدلات فوق الثمانين واكثر من المئة في امتحانات البكالوريا للمرحلة الاعدادية، وهذا التباين في تدني مستوى التعليم وتفوق طلبتنا (العباقرة) مثار تساؤل يدعو إلى البحث والتحقيق فيه.
كما برزت ظاهرة اضافة نقاط لمعدل الطالب مثل كونه ابن شهيد، وبشكل غير معلن كونه ابن مسؤول، واتقانه للغة غير الانكليزية والعربية، واذا لم يرسب خلال سنواته الدراسية السابقة، ولهذا عبر الوساطات والمحسوبيات وابناء المسؤولين، ظهر عندنا في السنوات الاخيرة جيل من (العباقرة)، الذين نالوا معدلات في امتحان البكالوريا فاق المئة بالمئة، فضاع جهد الطالب المجتهد الحقيقي مع الطالب، الذي يتكل على منصب والده أو طائفته أو الكتلة السياسية التي ينتمي لها احد والديه، هذا عدا عن تسريب اسئلة هذه المرحلة.
ومع وجود الكليات الاهلية، الذي فاق عددها على الكليات الحكومية، وحسب غوغل فقد بلغ عدد الكليات الحكومية بالعراق 35، بينما عدد الكليات الاهلية والتي توالدت بسرعة بعد 2003، حيث بلغ عددها 45 كلية.
رغم أني ضد الكليات الاهلية، تحديدا بالعراق، فمن المفترض ان تمول هذه الكليات ذاتيا من الاجور (الخرافية)، التي تحصل عليها من كل طالب والتي تتراوح من ٤ ملايين دينار إلى 12 مليون دينار وربما اكثر، والغريب أن القائمين على كلياتهم الاهلية، فتحوا حسابات لهم بالدولار خارج البلد، وفي الوقت نفسه تطالب وزارة التعليم العالي بتمويلها!، ما يثير التساؤل هو السبب في وجود الحسابات خارج العراق؟ هذا أولا، وبما أن كلياتهم أهلية، فلماذا يحشرون أنوفهم بميزانية الدولة عبر طلب التمويل من وزارة التعليم العالي.
وما معنى كلمة (أهلية)، إذا كانت تريد تمويلا من الحكومة وتحصل على أموال من ميزانية العائلة العراقية، هذا يدل على أن هذه الكليات تحصل على اجور مضاعفة، أولها من الاهالي وثانيها من الوزارة، أي من ميزانية الدولة لتضعها بحسابها الدولاري خارج العراق.. هل هناك أفظع من هذا الاحتيال وانهاك جيب العائلة العراقية، وبالوقت نفسه ارهاق الميزانية الدولة المرهقة أساسا.
إن وجود الجامعات الاهلية زاد من (الدكاترة) عندنا، والكثير منهم نتاج هذه المحسوبيات، التي لا تؤهلهم علميا وأكاديميا، وهنا تتجسد الكارثة في تدني مستوى تعليم أجيال، درسوا على يد دكاترة من «مريدي» وما قبلهم، أقصد ما قبل 2003 حيث تم التبعيث القسري للتعليم والافضلية للبعثي دون سواه، هنا تذكرت شابة المفترض أنها بالجامعة، عندما سألها مقدم البرنامج، أي بلد يتحدث اللغة الانكليزية، فأجابته فرنسا، أو الذي قال إن UN هو نوع من التفاح، ونحن الآن نتداول اسم UN يوميا عبر الاخبار أو الصحف.
اليوم نحن اليوم نعيد مأساة تدني التعليم بضوابط متلائمة مع انتشار الفساد وبوجوه مسؤولين مختلفين، اي أي قمنا بتدوير الكارثة.