محمد شريف أبو ميسم
بعد عشرين عاما من الممارسة الديموقراطية، لا يبدو أن ثمة ضابطا لهذه الممارسة في بلادنا بما يجعلها لا تلحق الضرر بمصالح الآخرين، حين تكون القوى السياسية بصدد الدفاع عن مصالح ناخبيها، وهو ما يحدث سنويا وبشكل مستدام، بدواع مختلفة، كما في مواسم تشريع قانون الموازنة، التي تشهد أساليب مختلفة في فن التعطيل والتعويق.
وعلى الرغم من اعتماد موازنة لثلاث سنوات مؤخرا، إلا أن التعطيل لستة أشهر من عمر السنة المالية الأولى بدواع ديموقراطية، تسبب في هدر كلفة الوقت وتضييق مساحة الفرص، في بلد يعاني أصلا من ضياع الفرص في مفاصل وحلقات كثيرة بدواع ديموقراطية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعطيل التعداد العام للسكان بسبب موقف بعض القوى من النتائج المحتملة للتعداد، خشية أن تتضرر مصالحهم المبنية على توافقات سابقة، والجميع يعلم ما للتعداد العام للسكان من أهمية لا تقف عند إحصاء الكثافة السكانية وتوظيف البيانات في اتخاذ قرارات مستقبلية وحسب، بل تمتد هذه الأهمية إلى وظيفة التخطيط التي لا تنتهي عند تحقيق الأهداف، لأن الهدف الإنمائي يبقى متحركا تبعا لحركة موجودات الحياة وقوانين التطور ما بقي الليل والنهار.
وعلى هذا الأساس فان الخطط والإجراءات القطاعية في مشهد الاقتصاد الكلي، تبقى مهددة بالفشل ما لم تستند لبيانات إحصائية، تقف في مقدمتها بيانات التعداد العام للسكان، الذي كان من المفترض إجراؤه في العام 2007 طبقا للدورة الإحصائية العراقية، إلا أنه أرجئ إلى توقيتات متعاقبة بشأن ما قيل عن التعداد في المناطق المتنازع عليها، وبعد ذلك تأجل إلى وقت غير مسمى، وتم تجاهله بشكل نهائي، حتى أعلنت وزارة التخطيط في 2018 نيتها إجراءه في العام 2020، الا أن الأمر بقي معطلا حتى هذه اللحظة.
وهكذا بالنسبة إلى تعطيل تنفيذ القوانين المشرعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قانون التعريفة الجمركية رقم 22 لسنة 2010، الذي تعرض منذ تاريخ إقراره في 2010 وحتى العام 2017 إلى سلسلة من التأجيلات، بدعوى الدفاع عن حقوق الفقراء، بينما كانت التأجيلات بمثابة استغلال لفضاء ديموقراطي غير منضبط في بعض مناطق البلاد حتى اللحظة.
والأمر لا يختلف بشأن تعطيل تنفيذ الكثير من القوانين ذات المساس بالحياة السياسية والاقتصادية، ومنها قانون المحكمة الاتحادية الذي يضع حدا للخروق الدستورية، وقانون النفط والغاز، الذي ينظم العلاقة بين المحافظات المنتجة للنفط وحكومة المركز، والجميع يعلم أن فضاء الديموقراطية غير المنضبط هذا، كان ولا يزال وراء الكثير من الضرر، الذي لحق بالمصلحة العامة، فهل لنا من ضابط لفضاء ديموقراطي ليس له ملامح؟.