غياب المعايير الدولية للمنظومة الانتخابيَّة

آراء 2023/06/18
...

سعد الراوي
أكتب هذا المقال بعد أن أصغيت لتصريحات من مسؤولين كبار، بضرورة أن تكون الانتخابات القادمة نزيهة مع مشاركة فاعلة.. الخ. وأنا مع هذا التوجه ولا نبخل بأي جهد لأجل تحقيق هذين المطلبين، ولكن هذين المطلبين يحتاجان لجهد كبير وتعاون بنّاء، فنجاح أي انتخابات هي مسؤولية تضامنية بين شركاء العملية السياسية وبنسب متفاوتة وكلٍ من موقعه
 فلا بد من قراءة دقيقة للبيئة الانتخابية، قبل أن نتفاجأ بالنتائج التي يصعب التكهن بها، والأصعب هو ماذا بعد الانتخابات هل ستكون أفضل من انتخابات 2021م التي كاد أن ينزلق فيها البلد وتنتهي العملية السياسية، علينا بدءاً دراسة الأسباب التي أدّت إلى ذلك مع إعطاء معالجات وكسر الفجوة بين شركاء العملية السياسية، لتعزيز التعاون في معالجة الإشكالات الفنية والقانونية، لتصحيح المسار والسير بعجلة الديمقراطية والانتخابات بالاتجاه الصحيح، لنوصل البلد إلى بر الأمان، وإن لم يتم ذلك فيصعب علينا التكهن بالنتائج.
المنظومة الانتخابية فيها من الإشكالات الكثيرة والكبيرة التي لا تساعد على إجراء انتخابات نزيهة بمعايير دولية.
فمثلا والأمثلة كثيرة هناك من لا يرغب بإجراء أي انتخابات قادمة إلا بتغيير مفوضية الانتخابات، وقبل تشريع قانون رقم 9 لسنة 2020م وصلت للسلطة التشريعية مسودة قانون انتخابي من رئاسة الجمهورية، وأخرى مغايرة من رئاسة الوزراء وأما مفوضية الانتخابات لم تستشر في كليهما، وكذلك بقية شركاء العملية السياسية، لذا لا بد من وجود تعاون بينهم ووضع خطة لتعديل المنظومة الانتخابية واستكمال كل ثغراتها مع المتابعة والمراقبة المهنية، لمعالجة أي إشكالات تعتري تنفيذ الانتخابات، مع العلم أن القانون الجديد لم يتطرق إلى أي معالجة للإشكالات الفنية أو القانونية، التي اعترت الانتخابات الأخيرة في تشرين 2021م.
فالتخوف موجود، والإشكالات لم تطرح للمعالجة، إذن النتائج مبهمة وهذا ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع، عسى أن نجد تعاونا لطرح الإشكالات ومعالجتها، وهذه مسؤولية كل شركاء العملية السياسية.
 وكذلك نحتاج دراسة أسباب العزوف لمعالجتها مع العلم أن أكثر العازفين عنها، هم المثقفون أو المحسوبون عليهم، ولديّ دراسة عن دائرة المنصور في بغداد، حيث تتجاوز نسبة العزوف 81 % وهذه الدراسة تقارب مثيلاتها في مراكز محافظاتنا العزيزة.
فإن لم نتدارس أسباب العزوف وطرحها بشكل مهني وبكل وضوح لمعالجة هذه الأسباب، فلا نتوقع أي زيادة في نسبة المشاركة، إلا شيء يسير ممكن أن يحدث، لأن هذه انتخابات لمجالس محلية وليس برلمانية.
هناك ملاحظة مهمة يجب أن تطرح أمام القيادات العليا وكل شريك العملية السياسية، حيث هناك تصريح للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات {شرعنا عملياً للاستعداد إلى إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وإن عدد الناخبين الكلي حالياً أكثر من (27) مليوناً وعدد المسجلين بايومتريا أكثر من (17) مليوناً وغير المسجلين أكثر من (9) ملايين وعدد البطاقات الموزعة (15) مليوناً وغير الموزعة زاد عن مليوني بطاقة}، إن هذا التصريح يعني أن هناك 55.55% من يحق لهم التصويت من الناخبين وأن 44٫45% سيحرمون من التصويت! فأين المعايير الدولية لنزاهة الانتخابات، إذا كان هنالك حرمان لأكثر من 44% من الناخبين من حق التصويت، هذا بحد ذاته إشكال كبير يجب معالجته، رغم أن هناك مبررات من بعض شركاء العملية السياسية، واستغرب صمت الأحزاب وخصوصاً الناشئة واستغرابي أشد صمت المنظمات الدولية.
وكل ما ذكر في أعلاه لم نجده مطروحا للحوار وللمعالجة، بل معظم النقاشات الآن تدور حول الاتفاق على موعد إجراء الانتخابات وقبل إقرار القانون كان جل الحوارات حول سانت ليغو.. الخ.
 فالنزاهة والمشاركة تحتاجان لعناصر كثيرة، مؤلم أننا نفتقر لمعظمها.. ولم نعالج أي إشكال سابق أو ما طرأ في القانون الجديد، مع ذلك لا نيأس ولا نطالب بتأجيل الانتخابات، بل بوضع خطة لمعالجة الإشكالات التي ستطرأ على مجريات العملية الانتخابية ومن الآن إلى إعلان النتائج.
وحتى لا أطيل سأعرج بما أراه مناسبا لطرح المخاوف والحلول المقترحة مع ورقة خاصة عن المراقبة والمشاركة الفاعلة، عسى أن نكون قد أدينا بعض من واجبنا وبمعلوماتنا المتواضعة، لأجل إنجاح الانتخابات القادمة التي نأمل أن تؤدي إلى استقرار سياسي يعقبه إعمار محافظاتنا العزيزة.


 نائب رئيس مجلس المفوضية العليا للانتخابات / الأسبق