الجدارة السياسيَّة

آراء 2023/06/20
...

رزاق عداي

 أجرى البرلمان الصيني مؤخراً تعديلات من شانها تعزيز صلاحيات الرئيس (شي جين بنغ)، ليكون الاخير الاقرب إلى الحاكم المطلق، ومن ضمن هذه التعديلات السماح له بولاية ثانية، لتكون هي الاطول بعد فترة (ماو سي تونغ )،  فالصين تدشن اشتراكية ماركسية من نمط خاص يطلقون عليها بالحاح شديد بأنها اشتراكية بطابع صيني خاص، تسترشد بالنظرية الماركسية مع اقتصاد سوق في مقدمة مقوماته الحرية الاقتصادية والجدارة في شغل المناصب والادارة، بمعنى أنه يبتعد عن التخطيط المركزي بأكبر قدر ممكن، ومثاله الحي أن الحزب الشيوعي الصيني في حد ذاته يضم في صفوفه العشرات من رجال الاعمال، التي تبلغ ارصدتهم المليارات من الدولارات، وهم رؤساء لمجالس شركات عملاقة وذات نشاط عولمي على نطاق العالم، وتقيبمهم الحزبي الشيوعي انهم الاكثر انضباطاً وولاءً ، لتمشية مصالحهم، وباعتبار ان نشاطهم الاقتصادي الكبير يصب في نهاية المطاف في اجمالي التاتج القومي الصيني الكلي، ويرى بعض المحللين من خارج الصين، أن النظام القائم حالياً في الصين، وإن كان يقوده الحزب الشيوعي الصيني، يبدو وكأنه يجمع بين متناقضات عجيبة شتى، من الصعوبة بمكان أن يضمن الاستمرار إلى الابد في الجمع في ما بينها، فاما العودة إلى المركزية على، وهو سعي - شين، أو قد يبتعد ويغادر مستقبلا عن الاصول الايديولوجية الشيوعية بصيغتها الماركسية نحونمط جديد يحدده المستقبل، تحت ضغط الحرية الليبرالية المتزايد، اذا ظل الاقتصاد الصيني في حالة توسع داخلي وخارجي، فهو يصنف اليوم بالاقتصاد العولمي الاكبر في العالم، لذلك فتسمية هذا الاقتصاد بالطابع الصيني البحت تمتلك كل المقومات في خصوصية التجربة، ربما ستقود العالم إلى تشكيلة جديد في مسارات التجربة الانسانية، نقول هذا والاندفاع الاقتصادي الصيني اليوم يشكل التحدي الاكبر للاقتصاد الامريكي،  ورداً على المناوئين لهذه التجربة العملاقة والمتقاطعة عما سبقها من تجارب وعلى الدرجة نفسها من الأهمية، فإن نظرية الجدارة السياسية قد انعشت صعود الصين، فمنذ بداية التسعينات طور النظام السياسي الصيني نظاماً معقدا وشاملا في مجال اختيار وترقية ذوي المواهب السياسية، الأمر الذي أدى إلى النجاح المدهش الذي شهدته البلاد، فالنظام السياسي الحالي يسعى إلى اختيار وترقية الموظفين العمومين، من خلال امتحانات وتقيمات للاداء في المستويات الدنيا والى حد ما المتوسطة والعليا، وربما تشوب هذا النظام القليل من العيوب، ولكن القلة القليلة هي من تنكر اداءه الجيد نسبياً، بالمقارنة بما عليه الحال في النظم الديمقراطية في دول ذات احجام مختلفة (في العراق اليوم مثلا)، التي تتم فيها الخيارات على أسس غير الجدارة، كالحزبية والمذهبية والجهوية.. الخ.
 فكل انظار العالم تتوجه إلى الصين تراقب تجربتها القائمة على نظام الجدارة، وهي اليوم تهز العالم بانتاجها الكبير ومشاريعها الستراتيجية الزاحفة نحو بقاع العالم، ففي بداية التسعينات لم يتنبه أحد بان الاقتصاد الصيني سينمو بهذه السرعة ليصبح اليوم ثاني اقتصاد في العالم، إذ ربما كانت أحد محركاته السياسية والاقتصادية هي الجدارة والكفاءة بالدرجة الأولى.