رعد كريم عزيز
يتصور الكثير من العامة أن الحضارة تعني تاريخ المتاحف وأحجاره، دون التعمق في مسيرة الزمن الطويل، الذي اسهم في ترسيخ شكل الحياة المدنية، التي تخلصت من وحشة الغابة وقانونها القاسي.
وإن نظرة سريعة للتطور الحضاري على سطح الكرة الارضية تكشف لنا القيمة العليا للعقل وتدبر سبل العيش، وتهذيب السلوك بالمأكل والمشرب، والتعامل مع البيئة بطريقة تكفل البقاء حيا ضمن قوانين واحتياطات، ساهمت في بناء الانسان ووصوله إلى العيش في الحياة المعاصرة من شكل البيوت التي يسكنها، إلى ارتداء الازياء وطريقة الطهو والتعامل مع الأخطار والاوبئة.
نسوق هذه المقدمة والتي كتب عنها مئات الكتب وملايين الصور، للتذكير بفضل الفن والثقافة في تهذيب الحياة من أجل رفاهية العيش ومحاربة الظروف القاسية، واذا نظرنا إلى الملابس والأحذية وقبعات الراس ووظيفتها الصحية والوقائية، وكذلك الجمالية، ورفاهية وسائط النقل، وتطور ادوات التعليم من الطباشير إلى السبورة الالكترونية، لرأينا أن الامر متعلق بالفن والثقافة، وتصميم شؤون الحياة وفق متطلبات عصرية تلائم حاجات الانسان، وحين نذكر تاريخ سومر وبابل فإننا نستشهد بقدرات من صنعوا الفخار والزجاج وصمموا الملابس، وحين نذكر دافنشي الرسام العالمي المشهور نذكر تصميمه للجسور والطائرات وغيرها.
إن الفن هو مصمم الحياة، وهو من يمنحها شكلها الحضاري،ويلبي حاجات الانسان التي تمنحه الامان والرفاهية.
ولكن هناك جحودا واضحا ونكرانا لهذا الدور، يبدأ من اهمال لدور الفنان والمثقف، وصولا إلى اعتبار أن وزارة الثقافة غير سيادية، ولنا أن نراجع رواتب ومخصصات العاملين في حقل الثقافة والفن مع من يعملون في حقول اخرى تسمى"سيادية"، ونرى العجب في الإهمال لدور الفن والثقافة، مقارنة بالاهتمام الباذخ في قطاعات أخرى.
وما إهمال درس الرسم والموسيقى والرياضة في مدارسنا الابتدائية، إلا جزء من جحود بشكل الكتاب الذي يرس فيه التلميذ ويتمتع بتصميمه وصوره وألوانه.
ولا ننسى أن دعايات التطرف التي شوهت توجهات الشباب، اعتمدت على ادوات الفن والاعلام، والصورة والموسيقى.
لذا نحتاج مراجعة جادة لاعلاء شأن الفن والثقافة، ومنح القيمة الحقيقية لصناع الحضارة والجمال.