محنة أستاذ جامعي

آراء 2023/06/22
...

 د.عبد الخالق حسن

قد لا نضيف شيئاً، أو أننا نعيد اختراع العجلة مثلما يقولون، إذا ما قلنا بأنَّ علامات الصحة والسلامة للدول والمجتمعات، تتمثَّل في اهتمامها بأدقَّ تفاصيل حياة أبنائها. هنا تتساوى النظرة إلى الجميع، فكلُّ مواطنٍ، مهما تمايز عن غيره من المواطنين، يظل أمام الدولة فرداً له حقوق تستلزمها أسباب المواطنة، مثلما أنَّ عليه واجبات هو ملزمٌ بتأديتها.
لكن، حين نفحص ميزان الحقوق والواجبات في العراق، يختل الميزان دوماً لصالح الواجبات على حساب الحقوق المتحصَّلةِ تحت عنوان المواطنة.
وهو أمرٌ لطالما كرره القادة والساسة هنا. فالجميع صار يتحدث بمرارة عن التقصير، الذي يشعرون به أمام المواطن العراقي، الذي احتمل ما لا تحتمله الجبال على مدى سنوات طويلة. حتى أنَّنا صرنا نتحدث عن ظلم وحيف وقع على أجيال كاملة طحنتها حروب الدكتاتورية والحصار المر، ثم لاحقاً ضاعت أجمل سنواتها أيام الطائفية البغيضة. فرصٌ كثيرةٌ للحياة الكريمة ضاعت بسبب سوء الادارة والفساد ولا أبالية الكثير ممن أوكلت لهم أمانة قيادة المؤسسات.
وهذا الأمر صرنا نسمعه في كل حديث للسيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي طالما كرر الكلام على أولويات حكومته التي لامس بها ملفات أرهقت العراقيين، وجعلتهم يعيشون تحت ضغط الحاجة إلى معالجة إشكالاتها. ومن بين هذه المشكلات، التي صار حلها أولوية لدى السيد رئيس مجلس الوزراء، هي مشكلة السكن اللائق والكريم للعراقيين بمختلف مستوياتهم. وكان لأساتذة جامعة بغداد نصيبهم الوافر من هذه المحنة التي عاشها أبناء شعبنا وما زالوا يعيشونها. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، لم يحصل أي استاذ في جامعة بغداد على قطعة أرض أو سكن يقيه غوائل الزمن. والجميع يعرف أن الأستاذ يحتاج إلى ظروف آمنة ليؤدي حينها رسالته العلمية بعقل غير مشغول سوى بالبحث العلمي. كثير من أساتذة جامعة بغداد، يعيشون مثل البدو الرحل في بيوت مؤجرة. ثم حين تتسع أسرته، ويكبر أبناؤه، يبحث عن بيت جديد يؤجره كي يضمن حياة كريمةً لأسرته. وهكذا، تستمر حياته حتى يصل إلى سن التقاعد، وهو ما زال يسكن بيتاً لا يمتلكه.
وطوال الأشهر الماضية، استبشر أساتذة جامعة بغداد خيراً، حين ظنوا أن موضوع سكنهم قد جرى حسمه بحصولهم على قطع أراضٍ في مقاطعة تمتلكها الجامعة في منطقة العامرية. لكن، ويا للأسف، خابت ظنونهم وهم يرون غياب الجدية، وعدم الاكتراث من أصحاب القرار لحالهم. فذهبت تلك الأحلام التي لامسوها حين استيقظوا على واقع مر لا يبالي لهمومهم، ولا يعترف بمعاناتهم. لهذا، فهم اليوم يستبشرون خيراً بالحزم والشعور بمعاناة الناس، الذي وضعه السيد رئيس مجلس الوزراء ضمن خططه لمعالجة ملف السكن. يستبشرون خيراً، ويتطلعون إلى قرار مباشر منه ينصف أساتذة جامعة بغداد، كونها الجامعة الأم التي نال منها شهادته في الهندسة، وهم لا يتوقعون منه سوى الخير والإنصاف، لينهي محنتهم التي طال أمدها وحاق بهم ضررها.